معامل جيني أداة قياس لتفاوت تركيز الدخل بالدول، وقدم عام 1912م عبر ورقة أعدها الاقتصادي الإيطالي كرادو( 1884م - 1965م) وتصور فيه تدرج القياس من صفر لمائة وعند استخدامه لقياس تركيز الثروة فإن معامل 50% تعني تركيز كل الثراء في نصف الأمة كما يمكن قياس النسب التفصيلية لفئة 50% فإذا كانت النسبة الأعلى فيها لفئة 10% فإن أغلبية الثروة الوطنية بيد( 10% ) وأن40% لها نصيب ضئيل أما باقي 50% من الأمة فهي فقيرة هذا يعطي صورة متكاملة لمعامل تركيز التفاوت بين من يملكون كل شيء ومن يعيشون تحت خط الفقر، وخط الفقر لا يعني العدم.
لخلفية معامل جيني صلة بتناولي لتركيز الثروة بالمجتمع الصيني إذ يبدو أن شريحة صغيرة تمتلك ثروة هائلة في مقابل فقر مجتمعي هائل، وإلا هل نسب النمو المتداول تعكس ثراء مجتمعياً أم فقراً تدلل عليه حوادث ميدان تياننمين التي شكلت نقطة فارقة في فضح النهج الاقتصادي للصين مثلما فضحت الدبابات الصينية وسحقها لطلاب عزل.
فهل سحق احتجاجات الطلاب سحق معه التوجهات الاشتراكية إذ تبدو الصين قد أدارت ظهرها لها بصورة شبه كاملة؟
لكن هل الانقلاب على التوجهات الاقتصادية جعل الصين تحقق نسب نمو مدهشة؟
مهما يكن فإن هذا النمو يضع الصين في مأزق؟ لأنه وفق قياس معامل جيني فإن المجتمع الصيني ينقسم بحدة إلى طبقة ثرية تعادل 10% وفئات أخرى فقيرة وحتى إذا كان تركيز ثراء الأمة الصينية يقارب 50% ، فهذا لا ينفي وجود شريحة الأغنياء الصغيرة التي من سلبياتها نقلها لأموالها للخارج للسياحة والاستمتاع أو لشراء العقارات في بريطانيا مما انعكس على أسعار العقارات في الصين وأوربا الغربية وأستدرك بأن وجود هذه السيولة في الاقتصاد الصيني لا يساعد على إصدار أحكام نهائية على وضعية الاقتصاد الصيني أو طبقة الأثرياء مما يستلزم متابعة لصيقة لقراءات معادل جيني الذي يشير باستمرار لنمو الاقتصاد الصيني ولثراء فئات بانتهاج سياسات نقدية متساهلة منعت التأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية في 2008م وساعدت على النمو المذهل للصين، لكن هذه السياسات النقدية ربطت توسع الاقتصاد الصيني ونموه بأنه (مصنوع) وفسر ذلك بحجم الائتمان الذي قفز إلى 24 تريليون دولار مقارنة بتسعة تريليونات دولار في نهاية عام 2008م أي بزيادة تعادل (15) تريليون دولار أو ما يساوي كامل حجم القطاع المصرفي الأمريكي ، أي أن تسهيلات الصين الائتمانية خلال خمس سنوات تعادل إجمالي القطاع المصرفي الأمريكي لكن مشكلة هذا المال الصيني إنفاقه على مشاريع لتنعكس على القوائم المالية بنسب نمو أعلى والهدف ليس عائدها وإنما تسويق الصين لنفسها لتحفز تدفق الاستثمار الأجنبي لكن هذا التوجه رفع الدين الكامل الصيني، من 125% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008م إلى 215% في عام 2012م مما قفز بسعر الفائدة أو(الانتربانك) إلى 10% العام الماضي ودلالات ذلك أنه إذا استمر الحال ستصدق التنبؤات بأن السياسات النقدية الصينية ستنعكس سلباً على حجم السيولة بالاقتصاد الصيني مما يرشح العام الحالي كعام للصعوبات المالية للصين، صحيح أن للصين سيولة مالية مدهشة ولكن مهما كان حجمها وكمها وكتلتها فإنها لا تكفي اقتصاداً بحجم الاقتصاد الصيني المصنف الثاني عالمياً وبعدد سكان يتجاوز المليار.
يضاف أن من عيوب هذا النمو الصيني أسلوبه في إعادة جدولة الديون وهيكلتها بصورة تثير الأسئلة فالصين تهيكل الدين في مشتقات مالية جديدة بحيث تقوم مصارفها بتغليف المنتج وتسويقه وبيعه لمن يرغب كما يشير إلى ذلك تقرير باتريك شوفينيك الصادر (3/1/2014) في بلومبيرج بعنوان رادارات القطار الصيني المندفع تمضي بعيدا عن التقاط السكة المتطلع إليها.
وخلاصة القول إن الاقتصاد الصيني ينمو ومعه تنمو نسب تفاوت الثراء الهش ولهذا بدلا من (صناعة) النمو والثراء، يستلزم معالجة التحديات والعقبات وإلا تحولت نسب النمو لمأزق للاقتصاد الصيني.
نقلا عن جريدة المدينة