كان يا ما كان في قديم الزمان وضع اقتصادي بدائي إنساني ساده نوع من التعامل التجاري بين بني البشر، وكانت العملة فيه السلع، ثم تطورت الإنسانية والتجارة ومبادلاتها فأصبحت السلعة تبادل بما يماثلها ،وكان كل تطور تجسيداً للمثل المحكي (الحاجة أم الاختراع) ،فقد أجبرت الحاجة الإنسان دائما لتطوير أدوات اقتصادية لتلبي طلبه وتحافظ على المنافع والحقوق ومع تطور الحياة ولدت فكرة(العملة) كوحدة قياس قانونية معترف بها من المجتمع ومقبولة بين أفراده ولم تكن العملة وقتها تأتي من النظام المصرفي لأنه لم يكن ثمة وجود للمصارف بهيئتها الحالية ولكن من إيجابيات التبادل البدائي التاريخي وجود قيمة كامنة في المعدن، محل التبادل ولكن كثرت المعادن على (خراش) فأحدثت خطوة جديدة قام فيها التاجر بنقل أرصدته من المعادن الثمينة ذات القيمة الكامنة لدى جهة موثوقة وهذه الجهة صارت تقيم التاجر حسب حجم إيداعاته من العملات، وكلما كانت ايداعاته كبيرة كلما زادت الثقة فيه والعكس صحيح واستمرت التعاملات ومعها تسارعت خطى المجتمعات في استخراج المعادن الثمينة ،مما أدى لمضاعفة كمياتها وتوسع استخداماتها ثم اهتدى العقل البشري لتبادل تجاري أكثر تعقيداً نقل التعاملات (لعصر) يماثل زمن المصارف الحالي وفيه استخدم الناس وسائل غير المعادن عبر اختراع جديد اسمه معيار(مضاعف النقود) وتقوم فكرته على آلية تطابق التسليف ولكن عبر مستندات ورقية بحيث تدور النقود بين مقترضين.
هذا الجهد التنموي نقل التبادل التجاري من الأفراد داخل مجتمع ضيق إلى أن يصير بين مجتمعات وأمم تنتشر في سائر أنحاء العالم.
وللحد من مظاهر المنازعات بين المجتمعات تم تقنين تلك التعاملات التاريخية وتم الإبقاء على المعدن النفيس معياراً ووحدة للقياس، هذا أحدث نقلة اقتصادية جديدة ولكن في خطوة تالية تخلى الدولار عن الارتباط بمعدن الذهب في عام 1971م ولكنه استمر عملة عالمية وبتلك اللحظة تحديداً انتقلت البشرية إلى تعاملات (الفيات) وهي تعاملات قللت من حمل النقود المعدنية والورقية لتحل مكانها بطاقات الائتمان والبطاقات المصرفية وأضحت التعاملات البنكية إلكترونية وليس فيها بالضرورة عملة حقيقية معدنية أو ورقية لأن العملة صارت أداة تسهل قياس التبادل التجاري بين الأفراد وأصحاب المصلحة ولكن ظل المصدر الرئيسي للمال (الفيات) الايداعات المصرفية ،هذا التوجه جعل المال يأتي من داخل النظام المصرفي وليس من خارجه كما في أزمنة التنقيب عن المعادن الثمينة وأضحت المعادن جزءاً من التاريخ الاقتصادي.
ولكن بما أن لكل نقلة آثارها فإن الانتقال لمال (الفيات) الالكتروني جعل للمصارف سطوة وسيطرة وتأثيراً هائلاً على الاقتصاد كما أضحى للمصارف دور سالب ألصقت به تهم التلاعب بالقوائم المالية والتدليس على العملاء وإنتاج فقاعات عقارية وغير عقارية وفي بعض الاحيان تتواطأ المصارف فيما بينها على تحديد سعر الفائدة كما حدث في 2013م بين مجموعة بنوك أوربية وأمريكية.
هذا التحول العميق في طبيعة المال ومساره أفرز اقتصاديات أوربية وأمريكية ويابانية لديها زيادة هائلة في المال الإلكتروني جعلت المفاهيم القديمة تدخل سجل (الحكي) وكان يا ما كان في قديم الزمان ،ومن المفارقات أن هناك من يفترض بوجود فكرة (كسور الاحتياطي المصرفي) فيما يطابق التوهم بأنه لابد من وجود إيداعات قبل أن يكون للمصارف إمكانية للتسليف أو تكوين الائتمان بينما انتهت هذه الآلية في لحظة فارقة صار المال فيها إلكترونياً.
نقلا عن جريدة المدينة
تلميح جميل ولكن لو وضحت اكثر كان اجمل