يعتبر الاستثمار الخاص من الناحية الإحصائية أقل بكثير من الإنفاق الاستهلاكي أو الحكومي، لكنه يقوم بالدور الأكبر في تحديد معدل النمو الاقتصادي.
كما أنه يعتبر العنصر الأكثر تقلباً من بين عناصر الناتج القومي ومن ثم فأن حجم التباين في النمو الاقتصادي بين الدول يعتمد بشكل كبير على هذا معدل.
على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة، لم تستطع خطط التنمية المتعاقبة خلال العقود الأربعة الماضية من تعزيز الاستثمار وتنمية القطاع الخاص بشكل يحقق تنمية اقتصادية مستدامة.
كما أن مستوى تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر متواضع جداً على الرغم من المحاولات الجادة في هذا الشأن. فقد سعت الحكومة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال أربعة خطوات.
فقد صدر أول تشريع للاستثمار الأجنبي المباشر عام 1955م، تلاه النظام الثاني عام 1962م ، ومن ثم النظام الثالث عام 1979م. وأخيراً عام 2000م عندما صدر النظام الرابع للاستثمار الأجنبي.
وفي عام 2004م تم إلغاء الحد الأدنى لرأس مال الاجنبي (أهم سبب في قفز أرقام تدفقات الأستثمار الأجنبي المباشر للمملكة).
هنا يمكن أن يثار السؤال التالي: لماذا لم تستطع المملكة من استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشر وتوطينها على ارض المملكة بالرغم من التسهيلات والحوافز المالية والغير مالية السخية التي وفرتها الحكومة للمستثمر الأجنبي؟
توضح الأدبيات الاقتصادية أن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر يعتمد على عوامل دفع (Push Factors) مرتبطة بدول المصدر للاستثمار الأجنبي المباشر وعوامل جذب (Pull Factors) مرتبطة بالدول المضيفة لهذه الاستثمارات.
بمعنى آخر يعتمد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على البيئة الاستثمارية للدول المصدرة والمستوردة لهذه التدفقات.
يعتبر قرار تحديد البلد المضيف من القرارات المعقدة جداً، بحيث يصعب تحديد عوامل معينة ومحددة، كما إن قرار اختيار البلد المضيف يتم على مراحل مختلفة.
ففي المرحلة الأولى يتم تحديد الإقليم الذي ترغب الشركة التوسع فيه. ثم يتم تحديد البلد المضيف. وفي المرحلة الأخيرة يتم تحديد المنطقة في ذلك البلد.
لا شك إن الهدف الأساس لعملية الاستثمار سواء كان محلياً أو أجنبيأ هو تعظيم الأرباح بشكل يعود بالنفع على أصحاب المصالح (Stakeholders)، ولضمان استمرارية ونمو الأرباح، فإن الشركات التي تستطيع تدويل أنشطتها دولياً لن تترد في اتخاذ قرار الاستثمار في بلد أجنبي غير بلد الأم يساعدها على التوسع في الإنتاج.
من الناحية النظرية تستطيع الشركة أن ترفع أرباحها من خلال زيادة إيراداتها (زيادة المبيعات) أو تخفيض تكاليف الإنتاج، أو كليهما معاً.
وعليه فأن الشركة ستختار البلد المضيف الذي يمتلك مزايا نسبية (Comparative Advantages) تؤهلها فيما لو تم توظيف هذه المزايا لمنافسة الشركات في الأسواق الإقليمية والعالمية. هذه المزايا ترتبط عادة بالبيئة الاستثمارية للبلد المضيف والمكونة من مجموعة من عوامل اقتصادية، واجتماعية وسياسية، وتشريعية أو قانونية.
كما يجب أن تمتلك الدولة أهم مقومات الصناعة (وجود رأس مال بشري قادر على العمل في مختلف المجالات، وبنية تحتية أساسية قوية)، وذلك لأن عناصر الإنتاج الأخرى مثل رأس المال المادي والمواد الأولية يمكن نقلها بين الحدود.
ونظراً لكون الأصول الإنتاجية غير قابلة للتحويل (irreversibility) في الأجل القصير، لابد أن تتسم مقومات الصناعة بالديمومة والاستمرارية. ولكننا لا نملك أيدى عاملة تنطبق عليها هذه الشروط.
نحن في واقع الأمر نفتقر إلى أهم مقومات الصناعة. حتى أن الصناعات القائمة اليوم هي في الأساس تعيش على الدعم الحكومي وأيدى عاملة وافدة رخيصة.
فلو تم تنظيم سوق العمل بشكل يرفع معدل الأجور والمرتبات، ورفع الدعم الحكومي عنها، فلن تستطيع منتجاتنا في منافسة المنتجات الأخرى سواء في الأسواق المحلية أو العالمية. وذلك لاعتمادنا على العامل الوافد بشكل رئيسي.
بالمختصر المفيد، قبل البحث عن إمكانية الصناعة، فلنبحث عن إمكانية إيجاد مقومات الصناعة أولاً. فبدون هذه المقومات فأي محاولة ستنتهي كما انتهت إستراتجية "الأمن الغذائي"!!