آثار الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاديات الدول المضيفة (1)

29/07/2025 1
د. علي بن جاسم الصادق

مقدمة

ناقشنا في المقالات السابقة المسائل المتعلقة بالأسباب التي تدفع الشركات للاستثمار المباشر خارج حدود الدولة الأم. في هذا المقال والمقالات اللاحقة سنحاول التركيز على السؤال التالي: ما هو تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاديات الدول المضيفة؟  

أثار هذا السؤال جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والسياسية. والحقيقة أن هذا السؤال قديم بقدم ظاهرة الاستثمار الأجنبي المباشر نفسه. للإجابة على هذا التساؤل، سنركز على النقاط التالية: 

  • الآثار الايجابية والسلبية  للاستثمار الأجنبي المباشر.  
  • تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على النمو الاقتصادي للبلد المضيف. 
  • تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على الاستثمار الوطني المحلي 
  • تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على تنمية الموارد البشرية. 
  • تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات. 
  • علاقة الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل وتوطين التكنولوجيا. 

آثار استثمار الأجنبي المباشر 

يرى الفريق المؤيد من الباحثين أن الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يلعب دوراً جوهرياً في معالجة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أغلب الدول النامية. حيث يمكنه أن يحقق لاقتصاديات الدول المضيفة بطريقة مباشرة الميزات التالية: مصدر أساسي للموارد المالية، ومصدر للمعرفة والخبرات الإدارية، ونقل وتوطين التكنولوجيا، ودعم عمليات الأبحاث والتطوير، وخلق وظائف جديدة والحد من مشكلة البطالة وتدريب العمالة الوطنية، وزيادة القدرة التصديرية للدول المضيفة، بالإضافة إلى بعض المزايا الأخرى التي يمكن أن تتحقق بطرق غير مباشره.  بينما يرى الفريق المعارض أن الاستثمار الأجنبي المباشر، خصوصاً تلك الاستثمارات التي تتم عن طريق الشركات متعددة الجنسية، يترك آثار سلبية على اقتصاديات الدول المضيفة أهمها: استغلال ونهب الثروات الطبيعية للدول المضيفة، والتبعية الاقتصادية، وسوء توزيع الدخل. والفريق الثالث يرى أن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاديات الدول المضيفة تختلف من بلد لأخر تبعاً للظروف الاقتصادية والغير اقتصادية لتلك الدول. 

الآثار الايجابية للاستثمار الأجنبي المباشر 

بناء على وجهة نظر الفريق المؤيد للاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن تحقق هذه الاستثمارات الميزات التالية لاقتصاديات الدول المضيفة: 

1. مورد مالي مستقر: من أهم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول النامية هي انخفاض معدلات الادخار والتي بدورها تؤثر على قدرة هذه الدول على تمويل عملية التنمية. وبالتالي يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر مصدر أساس للموارد المالية. فعند مقارنة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مع التدفقات الأخرى من الاستثمار الأجنبي (الديون التجارية، واستثمارات المحافظ)، نجد أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر استقراراً بسبب طبيعة العلاقة التي تكون عادةً طويلة الأجل والتي على إثرها يتم تحويل بعض الأصول الإنتاجية الملموسة وغير الملموسة إلى البلد المضيف التي تكون عادةً غير قابلة للتحويل (irreversibility) في الأجل القصير. هذه الموارد المالية تساهم في سد "الفجوة المادية" التي تعاني منها أغلب الدول النامية مما يساعد الدول المضيفة على تمويل عملية التنمية الاقتصادية. كما يساعد الاستثمار الأجنبي المباشر على زيادة الإيرادات الحكومية عن طريق الضرائب التي تُفرض على إرباح الشركات الأجنبية مما يخفف بعض الضغوط على ميزانيات الحكومة للدول المضيفة.  

2. تنويع القاعدة الاقتصادية: تعاني بعض الدول النامية من الافتقار إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية، بحيث يتشكل الهيكل الاقتصادي لهذه الدول من قطاع زراعي وبعض الصناعات البدائية منخفضة الإنتاجية، وغياب الشبه كامل لقطاع الصناعة وقطاع الخدمات. وبالتالي يمكن أن يلعب الاستثمار الأجنبي دوراً رئيساً في إحداث تغييرات جوهرية في هيكل اقتصاد البلد المضيف من خلال الاستثمار في مشروعات صناعية وخدمية جديدة، وفي مشروعات ذات قيمة مضافة كبيرة. أو التحول من الأنشطة ذات إنتاجية منخفضة إلى الأنشطة ذات كفاءة إنتاجية عالية.  

3. نقل وتوطين التكنولوجيا: أن أحد المزايا التي يحققها الاستثمار الأجنبي المباشر للبلد المضيف هو نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة والمتطورة التي تساعد على زيادة الكفاءة الإنتاجية لعناصر الإنتاج المختلفة. بالإضافة إلى دعم عمليات الأبحاث والتطوير خصوصاً للدول النامية. وعلى الرغم من أن هذه الدول قد تستطيع الحصول على  التكنولوجيا عن طريق مصادر أخرى، إلا أن الحصول على التكنولوجيا عن طريق الشركات الأجنبية يعد أسهل وارخص طريقة متوفرة.  

 4. الوصول إلى الأسواق العالمية: من أهم العقبات التي تواجه الدول النامية هي الوصول إلى الأسواق العالمية. وبما أن الشركات متعددة الجنسية تمتلك مزايا نسبية (علامة تجارية) تخولها منافسة السلع الأخرى في الأسواق العالمية بالإضافة إلى امتلاكها خبرات تسويقية ومعلومات كافية عن الأسواق العالمية، فأن الاستثمار الأجنبي المباشر يساعد الدول المضيفة على زيادة قدرتها التصديرية وغزو أسواق عالمية، وتحسين محتوى الأنشطة التصديرية. هذا بدوره يؤدي إلى تحسن الميزان التجاري للبلد المضيف وارتفاع حصيلة النقد الأجنبي الذي يسمح بالتوسع في استيراد السلع الرأسمالية التي تحتاج إليها في العملية الإنتاجية، مما يسهم في رفع المستوى المعيشي في ذلك البلد.   

5. المعرفة والخبرة الإدارية: يمكن القول أن الاستثمار الأجنبي المباشر عبر الشركات متعددة الجنسية تمتلك أفضل النظم الإدارية والتنظيمية بالإضافة إلى تمتع الأفراد العالمين لديها بالمهارات المعرفية العالية. إذ يعمل الاستثمار الأجنبي المباشر على سد "الفجوة المعرفية Idea Gap" بمعنى أن الدول النامية ربما تمتلك القدرة المالية في امتلاك أحدث التكنولوجيا، والمصانع والمعدات والآلات وغيرها من وسائل الإنتاج، ولكن أفراد هذه المجتمعات لا تستطيع استخدام هذه الأدوات الاستخدام الأمثل، وبالتالي فإن استثمار الأجنبي المباشر يساعد على نقل المهارات الإدارية والفنية وطرق الإنتاج الحديثة، وتدريب العاملين بشكل دوري على استخدام هذه التقنية المستخدمة في العملية للإنتاجية وذلك للوفاء بمتطلبات العمل.  

6. تنمية الموارد البشرية: يعمل الاستثمار الأجنبي المباشر على ورفع الكفاءة الإنتاجية للعمال عن طريق التدريب والتطوير المستمر. كما يعمل على خلق فرص عمل جديدة، وزيادة معدل الأجور. هذا بدورة يساعد على تحسن ظروف العمل ورفع المستوى المعيشي للعمال، والذي يؤدي إلى انخفاض معدل الفقر في اقتصاديات الدول المضيف. 

الآثار السلبية للاستثمار الأجنبي المباشر 

هذا لا يعنى أنه بمجرد أن تقوم الدول النامية بفتح أسواقها للمستثمر الأجنبي المباشر سوف تحصل على تلك المزايا، إذ يرى البعض أن الاستثمار الأجنبي المباشر، خصوصاً تلك الاستثمارات التي تتم عن طريق الشركات متعددة الجنسية، يترك آثار سلبية على اقتصاديات الدول المضيفة أهمها: 

1. استغلال ونهب الثروات الطبيعية للدول المضيفة: يرى البعض بما أن أهم أهداف الاستثمار الأجنبي المباشر هو تحقيق أقصى أرباح ممكنه، وبما أن جزء كبير من هذه الأرباح سوف يتم تحويلها إلى الشركة الأم، فأن الأثر المباشر لهذا النوع من الاستثمارات هو تحويل ثروات وخيرات البلد المضيف إلى الخارج. أي أن الشركات الأجنبية ما هي إلا وجه أخر للاستعمار الأجنبي.  

2. التبعية الاقتصادية والسياسية: كذلك يرى المعارضون أن الاستثمار الأجنبي المباشر يؤدي إلى مزاحمة الشركات المحلية في الأسواق وفي عوامل الإنتاج مما يدفعهم إلى الخروج من السوق. وبالتالي فأن اقتصاد الدولة المضيفة يخضع لهيمنة وسيطرة الشركات الأجنبية مما ينتج عنة تبعية اقتصادية في الإنتاج والتوزيع. كما أن الشركات الأجنبية خصوصاً الكبيرة منها تحاول فرض رؤاها السياسية على حكومة البلد المضيف بما يتوافق مع الرؤية السياسة لحكومة البلد الأم.   

3. سوء توزيع الدخل: بما أن الاستثمار الأجنبي المباشر يقوم على دفع أجور مرتفعة نسبياً مقارنة مع الشركات المحلية، فأن هذا التصرف يخلق حالة من التفاوت في مستويات الدخل ينتج عنها مجتمع غني وأخر فقير. كما يعمل الاستثمار الأجنبي المباشر على تشويه منط استهلاك الأفراد من خلال تشجعهم على زيادة استهلاكهم من السلع الكمالية.  

4. ازدواج الهيكل الاقتصادي (Dual Economy): نظراً لأن الاستثمار الأجنبي المباشر يعمل على رفع كفاءة القطاعات التي يعمل فيها باستخدام التكنولوجيا المتطورة، فأن هذا يعمل على تقسيم الاقتصاد إلى قطاعات متقدمة جداً وقطاعات أخرى تقليدية متخلفة.  

توفيق بين الآراء 

 يرى فريق ثالث أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد يؤدي إلى تعزز النمو الاقتصادي للدول المضيفة، وفي حالات أخرى قد يترك آثار سالبة على اقتصاديات تلك الدول. هذه النتائج تعتمد على مجموعة من العوامل تتعلق بالشركة الأجنبية وطبيعة عملها وحجها، وبيئة الاستثمار في الدول المضيفة، وموقف الحكومات من المستثمر الأجنبي المباشر. وبالتالي لا يمكن تعميم النتائج التي توصلت لها بعض الدراسات النظرية والتطبيقية. فآثار الاستثمار الأجنبي المباشر تتغير بمرور الوقت، ومن بلد لأخر، ومن قطاع صناعي لأخر. كما سنرى في المقالات القادمة أن تأثر الاستثمار الأجنبي المباشر يعتمد على مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموجودة في الدول المضيف. ومن الصعب جداً أن توجد دولتين تتشابه فيما يخص هذه العوامل. لذا سنجد أن تأثير أنشطة الاستثمار الأجنبي المباشر تختلف من بلد لبلد. حتى لو أخذنا شركة واحده، ودرسنا آثار هذه الشركة على اقتصاديات الدول التي تستثمر فيها سنصل ربما إلى نتائج مختلفة. فقد تؤدي السياسات الحكومية الخاطئة اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إحداث آثار سلبية على اقتصاد الدول المضيفة. فعلى سبيل المثال، تقوم بعض الدول فرض قيوداً على تحويل الأرباح، بحيث لا يستطيع المستثمر الأجنبي المباشر من إعادة تحويل أغلب إرباحه إلى البلد الأم، وبالتالي يطر هذا المستثمر إلى إعادة استثمار الأرباح المتحققة محلياً. وعلى الرغم من إن الهدف الأساس من هذه السياسة هو عدم السماح للمستثمر الأجنبي المباشر من تحويل معظم ثروات البلد المضيف إلى بلده الأم، ولكن بإرغامه على إعادة الاستثمار محليا، فأن هذه السياسة سمحت له بزيادة سيطرته على اقتصاد الوطني.

 

 

خاص_الفابيتا