خلال السنوات القليلة الماضية، حقق الاقتصاد السعودي اختراقات ملحوظة وتبرهن المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الكلي على هذه الحقيقة.
فقد حافظ اقتصاد المملكة على معدّلات نمو مرتفعة في إجمالي الناتج المحلي وعلى فائض في الميزانية والحساب الجاري، بينما ظلّت نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي ضئيلة، وظل معدل التضّخم منخفضاً وسط تدفق كبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وجاءت هذه البيانات الكلية القوية نتيجةً لعائدات النفط الضخمة والاستثمار الحكومي الكبير.
وتُعدُّ بيانات تكوين رأس المال الكلي الثابت إحدى وسائل قياس الاستثمارات في أي اقتصاد؛ لأنها تعكس إلى أي مدى تم استثمار القيمة المضافة الجديدة، بدلاً من استهلاكها.
كما أن الفوارق في معدلات نمو الاستثمارات بين الدول تعكس، في الغالب، مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية وطبيعة عمليات اللحاق بركب الدول المتقدمة.
وهناك أدلة عديدة على أهمية الاستثمارات في دفع عجلة نمو أيّ اقتصاد. لكنّ الاستثمارات ليست جميعها إيجابية بالضرورة، وينبغي التمييز بين الاستثمارات المنتجة وغير المنتجة.
على سبيل المثال، إذا كان الاقتصاد مدفوعاً فقط باستهلاك الأُسر أو باقتراض الأموال واستثمارها ببساطة في سوق الأسهم، فإن هذه الاستثمارات ليست منتجة. لذا، لا بد من الموازنة بين الاستثمارات المنتجة وغير المنتجة.
قد تحقق حوالي نصف نمو الصين خلال السنوات الـ15 الماضية بفضل الاستثمارات المنتجة. ويمكن توضيح هذه الظاهرة، مثلاً، من خلال الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.
فمنذ مطلع الألفية، تأرجح متوسط معدلات تكوين رأس المال الكلي الثابت إلى إجمالي الناتج المحلي حول الـ20% في منظومة الاتحاد الأوروبي، التي تضم 27 دولة عضوا. ارتفع هذا المتوسط إلى أكثر من 25% في بعض السنوات.
لكنّ تحليل بيانات الاستثمار على مدى السنوات القليلة الماضية يُظهر أنّ اقتصاد المملكة يحتاج إلى إعادة توجيه مدروسة بعناية من صانع القرار.
ذلك لأن الاقتصاد السعودي يعتمد بشدة على الاستثمار الحكومي فقط لا غير الناتج من ارتفاع اسعار النفط.
بالتالي، إذا أبطأت الحكومة برنامجها الاستثماري، فإن القطاع الخاص لن يكون قادراً على سدّ الفراغ. كما أن نصيب القطاع غير النفطي من إجمالي الاستثمارات تراجع على مدى السنوات الأخيرة.
والأهم من ذلك هو حقيقة أن نمو استثمارات القطاع غير النفطي مدفوع بالاستثمار الحكومي.
ومنذ عام 2003، نما الاستثمار الحكومي (عدا الاستثمار في قطاع النفط) في السلع الإنتاجية (المكائن والأدوات والمباني والحواسيب وأجهزة أخرى) بنسبة 652%، بينما نمت استثمارات القطاع الخاص بنسبة 89%.
والأخطر من ذلك هو حقيقة أنّ نصيب القطاع غير نفطي من إجمالي الاستثمارات سجّل تراجعاً مستمراً منذ عام 2001. كما أن استثمارات القطاع غير النفطي في مجال التصنيع خلال الفترة الممتدة من 2001-2006 ومن 2007-2012، انخفضت بنسبة 38%.
وخلال الفترة ذاتها، تراجعت الاستثمارات في قطاعات الخدمات (الفنادق والمطاعم والبيع بالجملة وبالتجزئة) والزراعة والنقل والبناء والمرافق بنسبة 32%.
أما القطاعان اللذان سجلا نمواً مدهشاً خلال الفترة ذاتها على صعيد الاستثمارات، فقد كانا القطاع العام وقطاع النفط والغاز حيث نمت الاستثمارات فيهما بنسبتيِّ 32% و163%، على التوالي.
ومع أن الاستثمار في قطاع الغاز والنفط ضروري، لأن الحكومة تعتمد على عائدات النفط اعتمادا كاملا، إلا أن حجم هذا الاستثمار مثير للقلق، لأن الاستثمار في القطاع غير النفطي سجّل تراجعاً مستمراً مع مرور الوقت.
علاوة على ذلك، سجّلت الاستثمارات في القطاع العام ارتفاعاً مستمراً؛ وهذا مثير للقلق أيضاً لأن إنتاجية مثل هذه الاستثمارات منخفضة.
لذا، فإنه من الضروري إعادة النظر في عملية توزيع الاستثمارات عاجلاً غير آجل، بهدف إعادة توجيهها إلى المجالات والقطاعات المنتجة التي تشجّع مشاركة القطاع الخاصّ في إنتاج السلع ذات القيمة المضافة ومرتفعة، وإلا سيبقى الاقتصاد اقتصاداً ريعياً ذا إنتاجية منخفضة وقطاعا خاصا هزيلا.
نقلا عن جريدة اليوم
مقال جميل ولكن لم يتطرق الى سياسة الدعم التي تساهم في بناء اﻻقتصاد الريعي!
مقال جميل.. التنويع في مصادر الدخل امر ضروري جدا وعاجل ليت صناع القرار يبادرون في اصلاح الخلل
مقال رائع. أنا أرشحك لقيادة وزارة الإقتصاد و التخطيط.
لا اتفق مع الكاتب - بل المملكة كدولة هي تقوم باستثمارات منتجة وامثلتها كثيرة كشركات البتروكيماويات - القطاع الخاص هو الذي يعتمد على مستوى الصرف الحالي للدولة - وهو من يريد ان يكون ثروات بشكل سريع دون النظر للمستقبل
ولكن شركات الكيمايات قائمة على الدعم من خلال اللقيم الرخيص و هذا سر نجاحها فقط! و المقصود الا يكون البترول الناضب في يوما ما يمثل 80-90% من ايرادات البلد!