تصرف كثير من الجهات الحكومية وكذلك الشركات والبنوك ملايين الريالات على التدريب، ويدرب موظفوهم على كثيرٍ من المفاهيم والطرق الإدارية التي لو طبقوها لكان لها أثر كبير على ممارساتهم الإدارية، ولأحدثت تغييراً جذرياً في أساليب العمل، ولأدت لزيادة في معدلات الإنتاج.
فالبرامج الإدارية تقدم أساليب للتخطيط والتنظيم والإبداع والقيادة وغيرها من قضايا الإدارة، التي لو تحولت إلى ممارسة يومية لأوجدت دوائر حكومية في منتهى الفعالية والكفاءة، ولأوجدت شركات وبنوكا عملاقة يمكن أن تساهم في الناتج العام GNP مساهمة كبيرة، ولجعلت القطاع غير النفطي يصبح نداً للقطاع النفطي، ويساهم في الناتج القومي بنسبة قد تفوق النسبة التي ذكرها تقرير مؤسسة النقد في عام2013 وهي 3.9% أضعاف المرات.
فالبرامج التدريبية تطرح أهمية وجود الرؤى لمستقبل المنشأة وضرورة تحويل الرؤى إلى أهداف محددة ووضع آليات للتخطيط تجعل تحقيق الأهداف عملية واضحة المسار، تشتمل على الأعمال المطلوب القيام بها وتوقيتها والمسئول عن القيام بكل عمل والنتائج المتوقعة وغيرها.. كذلك فإن البرامج التدريبية تطرح أهمية تغيير المنشأة وإيجاد ثقافات جديدة تقوم على أساس خلق قيم عمل تعطي أهمية للإنتاج والالتزام والإبداع.
ويدرب المشاركون في البرامج على أساليب التنظيم الحديثة كإعادة الهندسة re-engineering والهيكلة المنبسطة flat organization ، وغيرها من مقومات الفكر الإداري الحديث.
ويتحمس المتدربون أثناء الدورات التدريبية ويناقشون ويجادلون ويضعون خططا أثناء التدريب، إلا أنهم بعد انتهاء الدورات التدريبية يعودون للواقع ليمارسوا نفس الروتين ويقوموا بأعمالهم بطرقهم التقليدية القديمة التي اعتادوا عليها قبل التدريب، ويتخلوا عن مكتسباتهم التدريبية وكأن شيئاً لم يكن.
وهكذا يصبح التدريب إهدارا للموارد، ولا يؤدي إلى قيمة مضافة value-adding للمنشأة.
ولعدم تطبيق ما يتعلمه المتدربون في الدورات التدريبية وإهدار الكثير من الجهود والأموال أسباب عدة. يأتي من أهمها أن المتدرب يجد في التغيير صعوبة كبيرة بحكم كونه اعتاد على الاسترخاء واستمرأ الراحة، فالتغيير يحتاج إلى جهد، والإنسان الذي يعاني من التراخي لا يتغير بسهولة، خاصة وسط بيئة بطيئة الحركة يغيب فيها النشاط والحماس للتطوير.
وسبب آخر هو أن الكثير من صناع القرار بمنشآت القطاعين العام والخاص لا يستجيبون للفكر الحديث ويضعون العراقيل أمام تطبيقه، بسبب ضعف تأهيلهم الإداري وسيطرة المألوف واستحواذه على عقولهم.
ولكونهم لا يستوعبون الفكر الإداري الحديث، ولا يستطيعون تصور مردوده على المنشآت التي يديرونها، بل ويخشون منه على مصالحهم، كما أنهم ليسوا على علم بما لدى العالم الصناعي من طرق إدارية وتقنيات هي وراء ما حقق من إنجازات.
وسبب آخر يجعل التدريب ليس ذا مردود كبير على المنشأة في القطاعين في بلادنا أن كثيراً من المتدربين لا يتقبل الفكر الجديد بسهولة ولديه مقاومة للتغيير.
وحتى من يتقبلون الفكر الإداري الحديث كثير منهم ليسوا ذوي نفس طويل، فعندما يصطدمون بالواقع يصابون باليأس ويتولد لديهم شعور بالإحباط يجعلهم يتنازلون عما تعلموا، بل قد يعتبرونه فكرا تنظيريا، لأنهم يلمسون بعد التدريب الفجوة الواسعة بين الفكر الحديث والواقع الإداري الذي يعيشونه.
ويريد الكثير من المتدربين أن يتغير الواقع الإداري في منشأته بين يوم وليلة، الأمر الذي يخالف طبائع الأشياء.
فالتغيير يمر بمراحل ويحتاج إلى جهود لا تعرف اليأس. والتغيير تواجهه النزعة الطبيعية لدى البشر والمتمثلة في مقاومة التغيير.
والحقيقة التي ينبغي إدراكها أنه إذا أرادت فئة تغيير واقع إداري في منشأة ما قابلتها فئة عريضة تقاوم التغيير، وينشأ حينها صراع بين الفئتين تنتصر فيه فئة التغيير إذا اتصفت بالإصرار واستخدمت الأدوات اللازمة للتغيير.
فينبغي لكي لا يصبح التدريب إهدارا للموارد تأهيل وتدريب الإداريين في مواقع صناعة القرار على تقبل التغيير بل وممارسته واعتناقه ودعمه، حتى لا يصبحوا عقبة في وجه التطوير كما هو حاصل الآن في كثير من الجهات.
كذلك ينبغي أن يعطوا الفرصة لموظفيهم كي يمارسوا ما استفادوا من مفاهيم ومبادئ خلال الدورات التدريبية، بل وتحفيزهم على تطبيق ما دربوا عليه حتى يكون التدريب مربوطاً بالتطبيق، ولكي يعطي مردوداً كبيراً للموظف والمنشأة والوطن.
إن تطبيق المكتسبات التدريبية التي يتيحها التدريب الإداري يمكن أن يحقق لمجتمعنا قفزات هائلة ولمنشآت القطاع الخاص أرباحا قد لا تحلم بها إداراتها ولا موظفوها، كما قد يحقق معدلات نمو غير مسبوقة.
نقلا عن جريدة اليوم