لم يحظ دور البنوك في المجتمع بمناقشة جادة في الدوائر الرسمية ولا في دوائر المجتمع الأخرى، مع أنه يجب أن يعاد تعريف دورها خاصة في هذه المرحلة التاريخية التي تحتاج فيها البلاد لتضافر الجهود للقضاء على البطالة والفقر ورفع معدلات التنمية.
إن البنوك يجب أن تكون لها مساهمة فاعلة في المجتمع، لذا يفترض ألا يكون دورها تجاريا بحتا.
ولو راجعنا أدب الصناعة البنكية للتعرف على الدور التقليدي للبنوك في المجتمع لوجدنا أنها يفترض أن تكون قنوات لعبور السيولة من أيدي من هم ليسوا بحاجة لها لمن هم بحاجة للسيولة، بغرض تشغيلها في مشاريع مختلفة حتى يتحقق النمو والازدهار الاقتصادي للبلاد.
وهذا التعريف للدور نابع من فكر اقتصادي يقول إن بقاء المال في جيوب أصحابه ولدى فئة من الناس دون أن يتحرك في شريان الاقتصاد يسبب ركودا اقتصاديا.
أي أن المال يعتبر مثل الدم بالنسبة للاقتصاد، لذا يجب أن يتحرك في شرايين الاقتصاد. ويمكن القول إضافة لما تقدم، إن البنوك يجب أن تساهم مساهمة فعالة ليس فقط في زيادة الأنشطة الاقتصادية وتمويل الاستثمار في الداخل بل وفي تكبير رقعة الطبقة الوسطى وتحسين دخل الفرد والترفيه عنه، إلى جانب دورها في رفع معدلات التنمية في مجالات مثل التعليم والمواصلات وغيرها.
بمعنى آخر ان تعريف الدور الجديد للبنوك هو أن تقوم بمسؤولية نحو مجتمعها بشكل فاعل ونشط في مختلف المجالات، وأن يقاس أداؤها بمؤشرات اجتماعية واقتصادية.
أما واقع البنوك في مجتمعنا فإنها تعمل لهدف هو مراكمة الثروة للأغنياء من ملاكها لتزيد غناهم، ولهذا هي تحدث طبقية غير مسبوقة في بلادنا، وتفاوتا في المستوى المادي للسكان. إن البنوك لا يهمها سوى تحقيق الأرباح الخرافية، لذا أرباحها بمليارات الريالات ولا يهمها أن تتحرك السيولة في شرايين الاقتصاد أو لا تتحرك.
فهي لا تقرض أصحاب المشاريع ولا أصحاب المؤسسات الصغيرة وتضع العراقيل والشروط عند التمويل، ما يجعلهم غير قادرين على الاقتراض منها.
وأغلب التمويل الذي تقدمه البنوك هو عبارة عن قروض شخصية لتمويل الاستهلاك، وهي تقدمه لفئة الموظفين في القطاع الحكومي أولا والخاص ثانيا، مما أوجد لدينا نسبة عالية من المقترضين الأفراد الذين يثقل الدين كاهلهم، تقدر نسبتهم بـ 92% من الموظفين، كما تقدر المبالغ المقرضة لهم بما يقرب من 300 مليار ريال.
وتتفنن البنوك في طرح منتجات في التمويل الشخصي خاصة بشراء المديونيات وإعادة التمويل.
أما نسبة التمويل العقاري الذي تقدمه البنوك فهي متدنية بكل المقاييس، فبينما يحتاج السوق العقارية إلى تمويل بمبلغ يزيد على 500 مليار لم تقدم البنوك ولا 30 مليارا كتمويل.
ولن يضير البنوك وهي التي تربح مليارات أن يخصص كل بنك مبلغ 250 مليونا من أرباحه ولسنة واحدة لإقراض المؤسسات الصغيرة كجزء من قيامه بمسئوليته الاقتصادية والاجتماعية، ويقوم بتنمية هذا المبلغ سنويا من أرباح القروض.
وشأن أخر لا يقل أهمية هو أن موظفي البنوك الذين يقومون بجلب هذه الأموال المهولة لملاك البنوك لا يحظون إلا بالنزر اليسير من المال. فعلاوات الغالبية العظمى منهم السنوية قد لا تزيد على 200 ريال، كما أن ما يصرف على تدريبهم لا يساوي ولا 1% من الدخل.
ورغم أنه لا توجد لدي إحصاءات بشأن المال الراكد في البنوك إلا أنني أتوقع أن يكون الرقم مخيفا، وقد تتجاوز نسبته كل التصورات. والإدارة البنكية الناجحة هي التي تحسن توظيف ما لديها من سيولة لتحقيق عوائد للبنك والمجتمع.
إن إعادة تعريف دور البنك في بلادنا أصبح أمرا ملحا، كما أن دفع البنوك من خلال سن أنظمة من قبل مؤسسة النقد تحدد لها مسؤوليات اقتصادية واجتماعية جديدة وتلزمها بالقيام بها أمر أضحى في منتهى الأهمية.
نقلا عن جريدة اليوم