شكل الإنفاق المعتمد بميزانية العام القادم 2014م على قطاعي التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية النصيب الأكبر من مخصصات القطاعات الحكومية بنسبة بلغت 38% تقريبا من مجمل الميزانية العامة التي قدرت نفقاتها الكلية عند855 مليار ريال سعودي، ويدلل هذا الحجم الكبير من المخصصات للقطاعين على التركيز الكبير على التنمية البشرية ورفع مستوى التعليم والتدريب والرعاية الصحية والاجتماعية وبالعودة الى بداية العمل بالخطة التنموية التاسعة التي تنتهي العام القادم نجد ان قطاع التعليم والتدريب دائما ما يستحوذ على الحصة الاكبر بين كل القطاعات بنسب لا تقل عن 20الى 25 % سنويا وقد وصل حجم الاعتمادات لهذا القطاع الحيوي في الخطة التنموية الحالية بمافيها ماتم اعتماده بالميزانية الجديدة قرابة 870 مليار ريال حيث اعتمد مبلغ 210 مليار ريال بالعام 2014 م، ويلاحظ التركيز على بناء المرافق التعليمية من مدارس وجامعات وكليات وكذلك تطوير المناهج والوسائل التعليمية ويظهر بشكل جلي اثار هذا الانفاق الكبير على التعليم والتدريب من حيث تنامي عدد المرافق التعليمية خصوصا ان الجامعات اصبحت موزعة على كافة مناطق المملكة وتحتضن اغلب التخصصات مما قلل من تنقل الطلاب بين المناطق عن ما كان سابقا قبل اكثر من عشر سنوات، وتساعد الجامعات بانتشارها المناطقي كذلك في دعم التنمبة المتوازنة بكل مناطق المملكة لانعكاساتها الايجابية على النشاط الاقتصادي بكل مدينة تحتضن جامعة ومع هذه الامكانيات الكبيرة التي وفرت للجامعات والكليات التقنية والمعاهد الفنية اضافة لما تم اعتماده بالميزانية الجديدة فإن الرهان يبقى مستمرا على تطوير مخرجات التعليم وهو الأمر الذي يجب ان تعكسه الجامعات ومرافق التدريب من خلال ما توفر لها من امكانيات كبيرة فيفترض ان تقوم هذه الجهات التعليمية باستثمار مرافقها لتطوير مخرجات التعليم بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل والتنمية الاقتصادية الحالية والقادمة خصوصا ان الجامعات تعد جهات مستقلة بميزانياتها وصلاحياتها خصوصا بتحديد مناهجها التعليمية ووسائل التعليم ولديها المرونة الكافية لتطوير مخرجاتها كما ان برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يشكل رافدا كبيرا لسوق العمل وتطوير الكوادر البشرية بارقى العلوم من دول متقدمة الا ان توفير فرص العمل المناسبة لهم يبقى التحدي الاكبر امام الجهات المعنية، وذلك لتعظيم الفائدة الاقتادية والاجتماعية من المبتعثين ويتطلب ذلك دعم مختلف القطاعات الاقتصادية لتحسين المناخ الاستثماري وفتح فرص العمل.
كما أن قطاع التعليم والتدريب المهني امامه تحدي كبير خصوصا في ظل تصحيح أوضاع سوق العمل، وذلك بتطوير مخرجات التعليم لتشكل الكوادر البشرية المؤهلة فنيا ومهنيا جزءا كبيرا من المهن الفنية التي يمكن شغلها بمواطنين وتحمل اهمية كبرى بتشغيل المرافق العامة.
اما التعليم الأساسي فإن حجم تحدياته كبير ويتطلب توجهات مختلفة تتمثل باستكمال مشاريع المدراس والقضاء على ظاهرة المدارس المستأجرة التي مازالت تشكل نسبة تقارب 35% الى الآن مع أهمية توفير الوسائل التعليمية والانتقال إلى التعليم المتطور تقنيا و الذي أصبح ممكنا نظير انتشار استخدام الاجهزة الالكترونية بين مختلف اعمار شباب الوطن، بل وأطفاله مع تحول متسارع بالمناهج العلمية نحو احدث العلوم وكذلك تطويرالكوادر التعليمية من معلمين ومعلمات واداريين وضبط العملية التعليمية والتربوية والانتقال بعيدا عن اسلوب التلقين الى تفاعل أكبر للطلاب وتحويل المدارس الى مصنع حقيقي لكوادر بشرية مؤهلة لأي تخصص عند انتقالها لمراحل التعليم العالي ومع توفر الامكانيات المادية فإن تحقيق اهداف تطوير التعليم تصبح ممكنة التحقيق بزمن اقصر من المتوقع فانفاق الدولة الكبير على التعليم ياتي ليس من باب اهميته الكبيرة باي مجتمع بل يضاف له ان نسبة كبيرة من مواطني المملكة هم فئة شابة تعد عماد الوطن ورهانه على المستقبل وكلما كان المجتمع فتيا ونسب الشباب فيه هي الاعلى فان ذلك يعد قوة كبيرة لاي دولة ولذلك فان الاستثمار بالشباب هو الركيزة الاساسية لما تم اعتماده بخطط التنمية في المملكة واصبح من الضروري ان تلمس نتائج ذلك خلال سنوات قصيرة نظير ما توفر من امكانيات هائلة وضعت المملكة في مصافي الدول الاولى في الانفاق على التعليم والتدريب الا ان النتائج لم تضع المملكة في اعلى المراتب من حيث انعكاسات ذلك على تصنيفها العالمي بمجال التعليم الى الان بحسب تقارير ودراسات عالمية عديدة.
اما في المجال المكمل لتطوير المجتمعات فإن قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية حظي بمخصصات كبيرة خلال الخطة الخمسية الحالية وباضافة المبلغ المخصص بالميزانية الجديدة والذي حدد عند 108 مليار ريال فإن حجم ما خصص منذ بداية الخطة التنموية التاسعة الحالية يصل الى قرابة 422مليار ريال تم خلالها بناء مئات المستشفيات والمراكز الصحية بمختلف المناطق وايضا اعتماد مدن طبية عديدة وايضا توفير احدث الاجهزة الطبية لتشغيلها، وكذلك تعديلات في سلم رواتب الكوادر الصحية لاستقطاب الكفاءات الطبية وتعزيز استقرارها بالمنشآت الصحية الحكومية ويبقى رفع نسب المواطنين المتخصصين طبيا هو التحدي الكبير اذ لا يمكن الاعتماد على الاستقدام من الخارج دائما مما يتطلب ان تقوم وزارة الصحة باستثمار وجود 26 كلية طبية بخلاف المعاهد الصحية لاعادة تخطيط احتياجاتها من الكوادر الطبية الوطنية فمازالت نسب الأطباء السعوديين محدودة وتقل عن ثلث الاطباء العاملين بالمملكة، وهي نسبة متواضعة تتطلب تنسيقا بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والجامعات لرفع نسب القبول من خلال تحديد احتياجات الصحة التي تعرف اكثر من غيرها احتياجاتها المستقبلية، كما أن تطوير طرق التشغيل للمرافق الصحية وليس فقط انشائها هو المحدد لنسب التغطية الصحية للمواطنين والتي تقل نسب نموها عن نمو عدد السكان فمازالت نسب عدد الاسرة لكل الف مواطن اقل من النسب العالمية، وكذلك عدد الاطباء كنسب لعدد السكان ايضا اقل ومن المهم دعم القطاع الخاص ليساند التوسع بالخدمات الصحية ورفع كفاءة الخدمات الصحية من حيث الجودة والرقابة لتقليل الاخطاء الطبية وتوفير الخدمات، وكل ذلك يعتمد على الاستثمار الأمثل للإمكانيات المادية الكبيرة التي خصصت للرعاية الصحية.
اما في مجال الرعاية الاجتماعية فإن أمام وزارة الشئون الاجتماعية تحديا كبيرا للقضاء على الفقر والمساهمة بتوزيع التنمية ووصول اثار الطفرة الحالية لكافة الاسر التي تخضع للضمان الاجتماعي ومعالجة مشاكلها الحالية والمستقبلية من خلال برامج متنوعة تشمل كافة الفئات ذات الاوضاع الخاصة بالمجتمع وان كانت الوزارة تقوم ببرامج جيدة حاليا لكن الحاجة باتت ملحة للانتقال الى مرحلة جديدة تدعم من خلالها الاسر أو حالات المجتمع الخاصة، سواء بدعمهم تعليميا لابنائهم وفق برامج لا تسمح بتسربهم بسبب العوز او بتوفير برامج تشغيل لهم ذات مردود مادي جيد يعينهم واستثمار مرافق الوزارة الاجتماعية لتكون صانعة لجيل متمكن من نفسه ولا يشعر بأي فارق بينه وبين باقي فئات المجتمع بسبب ما تعرضوا له من ظروف قاهرة، فلا يمكن لاحد ان يحول دون تعرض اي مواطن لظرف قد قدره الله عليه ولكن من المهم ان تعرف كيف تقف معه لتجاوز ظروفه خصوصا ان الامكانيات المتاحة كبيرة وكافية لتطبيق افضل البرامج الاجتماعية.
ان ما ينفق على قطاعي التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية يضع المملكة بمرتبة متقدمة في مجال التنمية البشرية ومع تحقيق العديد من اهداف الخطط التنموية الا ان الرهان على المستقبل يبقى كبيرا للانتقال من خلال تطوير قدرات المواطنين خصوصا الشباب الى مصافي الدول المتقدمة، وهو امر مرهون بجودة استثمار الامكانيات الكبيرة المتاحة وتحقيق افضل النتائج الايجابية المرجوة للارتقاء بالمجتمع معرفيا وصحيا واجتماعيا.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع