في الرابع من مارس من العام 1892 ولد عالم الاقتصاد الروسي نيكولاي كوندراتيف، في إحدى محافظات شمال موسكو، وانتقل إلى مدينة سان بطرسبرغ، مسقط رأس الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، التي عقدت فيها مؤخرا القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين.
درس كوندراتيف الاقتصاد في جامعة سان بطرسبرغ، خلال فترة ما قبل الثورة الروسية، ولسوء حظه فقد تخصص في الاقتصاد الزراعي، وقادته أبحاثه إلى أن نظام الإصلاح الزراعي التعاوني الذي أقرَّه الدكتاتور جوزيف ستالين، سيؤدي إلى انخفاض شديد في الإنتاج الزراعي، كما حدث فعلاً. طبعاً، أعدمه ستالين!.
اشتهر نيكولاي كوندراتيف من خلال نظريته «الدورات الاقتصادية الطويلة»، التي بدأ الحديث عنها في كتابه «الاقتصاد العالمي وملابساته خلال وما بعد الحرب»، الصادر عام 1922، وتحدث عنها بالتفصيل في كتابه الذي صدر عام 1925، «الدورات الرئيسة في الاقتصاد» أثناء مناصرته لسياسات الإصلاح الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي، التي كانت تدعو إلى تطبيق النظام الرأسمالي، وتشجيع المنشآت الصغيرة وحرية الأسواق.
يطلق أيضا على نظريته اسم «موجات كوندراتيف»، كما سماها منظِّر «التدمير الخلاق» عالم الاقتصاد الشهير «جوزيف سكمبيتر».
تتمحور «موجات كوندراتيف» حول: أن الاقتصاد يمر في دورات اقتصادية طويلة، يتراوح طول كل منها بين 40 و 60 سنة - بمعدل 50 سنة لكل دورة - ويتخلل هذه الدورات الطويلة دورات اقتصادية قصيرة عدة، يتذبذب فيها الاقتصاد بين الازدهار والركود.
يعزو «كوندراتيف» سبب هذه الدورات الاقتصادية الطويلة إلى ديناميكية التقنية - بمعناها الاقتصادي- وحركة الإبداع في الاقتصاديات الرأسمالية؛ حيث يؤكد أن الموجة المعرفية والإبداعية تتشكل كل 50 سنة، وتكون القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على آخر تقنية مزدهرة بشكل مبهر، خلال 20 سنة، منها عن طريق تحقيق الشركات العاملة في هذه القطاعات لأرباح عالية جداً، والعوائد المالية المجزية للمستثمرين والعاملين في هذه القطاعات.
ذكر كوندراتيف بشكل واضح وصريح أن مرحلة الازدهار، لا يمكن أن تزيد عن 20 سنة ويتبعها أزمة اقتصادية مصحوبة بهلع عام، تؤدي إلى دخول الاقتصاد في مرحلة جمود، تستمر قرابة 20 سنة أخرى، تكون خلالها القطاعات الاقتصادية المبنية على آخر التقنيات تمر في مرحلة صعبة، وأزمات مالية تؤدي إلى فقدانها الوظائف بشكل مستمر؛ بينما تكون القطاعات المبنية على التقنيات الابتكارية آنذاك لاتزال في طور النشوء، وغير قادرة على خلق وظائف بدرجة كافية لتعويض المفقودة.
لا يُقصد بالجمود الاقتصادي في هذا السياق الركود المعتاد الذي يتكرر خلال كل عقد أو عقدين من الزمان؛ كنتيجة للدورات الاقتصادية المعتادة، وإنما المقصود هو ركود عام، يؤخر التطور الاقتصادي من المنظور الشامل.
من أهم نتائج نظرية «الدورات الاقتصادية الطويلة» أن الجمود ناتج عن دورات المعرفة الابتكارية في الاقتصاديات الحرة، ولا يمكن للحكومات عمل الكثير حيال ذلك.
نجحت «موجات كوندراتيف» بشكل مبهر في وصف الطفرة الاقتصادية، التي حدثت في قطاعات الأقمشة واستخراج الفحم وصناعة القطارات، وانتهت مع الأزمة النمساوية عندما انهار سوق فيينا للأوراق المالية عام 1873؛ كما نجحت أيضاً في وصف الدورة الطويلة التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في صناعات الحديد والأجهزة الكهربائية والتلفون والمطاط.
ودخلت مرحلة الجمود مع أزمات النفط في سبعينيات القرن العشرين.
إلا أن «موجات كوندراتيف» لم تنجح في وصف المرحلة ما بين 1873 والحرب العالمية الأولى في ألمانيا وأمريكا،بالإضافة إلى معظم اقتصاديات العالم الغربي منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن.
سنتحدث في المقال القادم «الاقتصاد الريادي» عن الأسباب وتأثير رواد الأعمال على الدورات الاقتصادية الطويلة.
نقلا عن جريدة اليوم