بحضور زعماء نحو 15 دولة وبافتتاح رئيس مجلس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ومشاركة نحو 1000 مستثمر ينتمون إلى أكثر من مائة دولة، عُقدت خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي الدورة التاسعة من المنتدى العالمي للاقتصاد الإسلامي في العاصمة البريطانية لندن.
وقد اهتمت وسائل الإعلام البريطانية والعالمية بالمنتدى ليس فقط لانعقاده خارج الدول الإسلامية للمرة الأولى، ولا لارتفاع مكانة الحاضرين وقدرتهم على التأثير في دولهم، ولكن لتصريحات رئيس الوزراء البريطاني وعدد من صناع القرار بأن لندن تقوم بتهيئة نفسها ليكون الحي المالي في العاصمة «السيتي» هو المركز العالمي للتمويل والمصرفية الإسلامية.
وليس من الغريب وجود توجه من قبل بريطانيا لجعل لندن المركز العالمي للتمويل والمصرفية الإسلامية لعدة أسباب بعضها يتعلق بخصائص لندن نفسها، وبعضها يتعلق بسوق التمويل والمصرفية الإسلامية وآفاق نموها المستقبلية، بجانب أسباب ترتبط بالبيئة التنافسية بين المراكز المالية عالمياً.
وستركز هذه المقالة على تطورات سوق التمويل الإسلامي وآفاقها قبل تناول سبب محاولة السيتي في لندن وبالأرجح تمكنها من كسب قصب السبق لتكون المركز العالمي للتمويل الإسلامي عوضاً عن المراكز المالية الخليجية.
بلغت اصدارات الصكوك عام 2012 فقط نحو 139 مليار دولار مقارنة بنحو 3.5 مليار دولار عام 2003، أي بنمو بأكثر من أربعين مرة. وضمن هذه الصكوك، هناك تقريباً 49 إصداراً مدرجاً في بورصة لندن بقيمة 34 مليار دولار.
أما إجمالي الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية فبلغت 1300 مليار دولار عام 2011 بنمو بلغ 150 في المائة خلال ثلاث سنوات.
كما سجل نمو التمويل الإسلامي معدلاً متفوقاً بنحو 50% مقارنة بالأدوات التقليدية الأخرى في السنوات الخمس الأخيرة.
وعليه، فعلى الرغم من أن نحو ربع عدد سكان العالم هم مسلمون، واحد في المائة فقط من الأصول المالية في العالم متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وتتفوق بريطانيا على جميع الدول الغربية في التمويل والمصرفية الإسلامية حيث ان عدد البنوك الإسلامية في بريطانيا هو الأعلى مقارنة بجميع الدول الغربية، بينما يوجد بها نحو 14 جامعة منها جامعات عريقة تقدم برامج دراسية في التمويل والمصرفية الإسلامية ما يشكل رافداً لتوفير الكفاءات والخبرات التي تحتاجها المؤسسات المالية العاملة في هذا المجال.
وقد أسهم التمويل الإسلامي في بناء القرية الأولمبية في لندن من خلال أدوات تمويلية كثيرة من ضمنها الصكوك، كما استثمرت ذراع ماليزية استثمارية نحو 400 مليون يورو في محطة بيتيرسا البريطانية للطاقة بينما استثمرت دبي نحو مليار ونصف جنيه استرليني في أول مشروع لحاويات الموانئ المغمورة في بريطانيا بطرق متوافقة مع التمويل الإسلامي.
ويأتي تصريح ديفيد كاميرون عن العزم على تحويل لندن لعاصمة دولية للتمويل والمصرفية الإسلامية بجانب الإعلان عن قيام الخزينة البريطانية بوضع اللمسات الأخيرة على إصدار صكوك تبلغ 321.4 مليون دولار متوافقة مع الشريعة، والإعلان عن خطة حكومية بريطانية لتوفير قروض للطلاب وقروض تتوفر لشركات ريادة الأعمال متوافقة مع الشريعة الإسلامية كمؤشرات قوية على أن بريطانيا قد قامت فعلاً بخطوات عملية ملموسة ومدروسة لتحقيق التطلع بجعل لندن مركزا عالميا لمؤسسات التمويل الإسلامي ومنتجاتها.
ومع سعي لندن إلى الحصول على المكانة العالمية في التمويل والصيرفة الإسلامية، يأتي السؤال الأكثر أهمية هنا فلماذا لم يتم عقد المنتدى التاسع للاقتصاد الإسلامي في أحد المراكز المالية المتنافسة والتي تبحث عن هذه الفرص الثمينة مثل مركز دبي المالي العالمي، مركز قطر المالي، مرفأ البحرين المالي، ومركز الملك عبد الله المالي في الرياض؟ والسؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه ويجب أن تجيب عنه المراكز المالية الخليجية هو لماذا لم تسع المراكز المالية الخليجية وبطريقة منهجية لأن تكون المركز العالمي للتمويل والمصرفية الإسلامية؟.
وأخيراً، قد تتضمن الإجابة أن التحول إلى مركز عالمي للتمويل الإسلامي يتطلب وجود بنية تحتية تشريعية وقضائية تتناسب مع الرؤى الأكثر توافقاً بين الجهات العالمية التي تتعامل بمنتجات التمويل والاستثمار المتوافقة مع الشريعة، بجانب وجود المتخصصين والحرفيين والخبراء المصرفيين، الاقتصاديين، المحاسبين، والمحامين.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون بيئة الأعمال جاذبة وبيئة المركز المالي مرحبة وتسهل وصول وزيارة الخبراء والزبائن والمستشارين من الخارج ما يعني ضرورة وجود تكامل وتنسيق عالي المستوى بين المركز المالي وعدة جهات منها الجوازات، السفارات، وغيرها من الجهات التنظيمية.
فإذا لم تستفد المراكز المالية من الفرص المتاحة وتعمل على الاستفادة منها فستكون مشاريعها كمشاريع الفيل الأبيض والتي سيتم تناولها في مقالة لاحقة.
نقلا عن جريدة اليوم