أشرت في المقالين السابقين إلى المستقبل الاقتصادي الدولي المجهول وتوالي الأزمات الاقتصاديَّة هنا وهناك وأهمية الاستفادة من الأحداث والدروس والعبر المتوالية وضرورة التهيؤ وأخذ العدة للمستقبل الاقتصادي الذي لا يبدو مشرقًا على المستوى العالمي خصوصًا بالنسبة للاقتصاديات أحادية الدخل.
المتتبع للتطورات السياسيَّة والاقتصاديَّة على الساحة العالميَّة بما فيها من أزمات اقتصاديَّة في أمريكا الشماليَّة والجنوبيَّة وأزمات الاقتصاد الأوروبي والأزمات السياسيَّة والاقتصاديَّة في المنطقة العربيَّة والتطوُّرات المتعلقة بحرب العملات وفشل مجموعة العشرين بالحد من الإجراءات الحمائية (protectionism measures)) التي تتخذها الدول بما فيها دول المجموعة نفسها التي تعيق انسياب السلع والخدمات وتحرير التجارة العالميَّة، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك بأننا نعيش فترة اقتصاد غير مستقر ومستقبل غامض يتطلب أخذ العدة والحذر والعمل بمفاهيم وآليات تختلف عن تلك التي عبرنا بها العقد الأول من هذا القرن.
الأمر الذي يقودني إلى التذكير بأن إعادة النظر في إدارة مواردنا الطبيعيَّة المحدودة أصبح ضرورة لا خيارًا.
اعتقد أنّه حان الوقت للوقوف بقوة ضد النهج الاستهلاكي الترفي الذي يطغى على سلوكنا الاقتصادي والذي يفضي إلى استنزاف الموارد الطبيعيَّة المحدودة.
حان الوقت للتركيز على الاقتصاد الإنتاجي على حساب الاستهلاكي والعمل بقدر الإمكان على استثمار عوائدنا الماليه في مشروعات إنتاجية.
كم تمنيت أن بعضًا من الأموال االطائلة التي انفقت وتنفق على تحسين وتزيين مداخل المدن الصَّغيرة والقرى- على سبيل المثال - استثمرت في مشروعات إنتاجيَّة لذات المدينة أو القرية كاستثمارها في معاهد لتدريب أبناء تلك المدن والقرى أو غير ذلك.
ماذا لو استثمرنا بعضًا من المبالغ التي تصرفها الشؤون الاجتماعيَّة على القادرين من الفقراء.
استثمرناها في تمكينهم وتدريبهم على كسب العيش بأنفسهم بدلاً من انتظار هبات الدَّوْلة وعطايا المحسنين، وفقًا لنظرية لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمك.
وأصبح هؤلاء يضيفون قيمة للاقتصاد بدلاً من كونهم عالة عليه.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر في الإعانات الحكوميَّة على السلع والخدمات والعمل على قصرها على المستحقين فقط حفاظًا على الثروة وتقنينًا للاستهلاك وتعزيزًا للوعي بأهميتها والحفاظ عليها بدلاً من الاستهلاك التبذيري الترفي.
فليس من المقبول - على سبيل المثال- أن يستفيد من الاعانات على المواد الغذائيَّة من سكر وأرز وحليب وإعانات الوقود والماء وغيرها غني يبلغ دخله ملايين الريالات أو صاحب ومدير شركة أجنبية تستحوذ من الدَّوْلة على مشروعات بمليارات الريالات في نفس السعر الذي يحصل عليه مواطن فقير يبحث عن لقمة العيش، بل إن الأول يستفيد أكثر من الثاني نظرًا لتعدد مركباته وخدمه وحاشيته...الخ وباختصار فإنَّ تحدِّيات المرحلة والظروف الاقتصاديَّة الحالية على المستوى الدولي من جانب، ومتطلبات الأجيال القادمة من جانب آخر تستلزم إعادة النظر في سلوكياتنا الاقتصاديَّة على كافة المستويات الحكوميَّة والاجتماعيَّة والفردية.
وللحديث بقية في الخميس القادم إن شاء الله.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع