الاقتصاد المحلي واعدٌ بالفرص الاستثمارية بشتى المجالات والقطاعات، التي تظهر جلياً مع تعاظم الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية والاستثمارية بصفة عامة.
وتظهر الأرقام الخاصة بالاستيراد السنوي للسلع أنه فاق 600 مليار ريال، حسب آخر الإحصاءات؛ ما يدلل على وجود الكثير من الفرص للإنتاج والتصنيع المحلي، الذي يتطلب جهداً كبيراً في استقطاب الاستثمارات محلياً وعقد الشراكات لنقل التقنية وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي من جهة، ويعبّر أيضاً عن خلل يؤدي لهذا الرقم الكبير بالاستيراد، مما يمكن اعتباره رقماً يوضح حجم الفرص المهدرة لزيادة وتوسيع وتنويع الإنتاج المحلي.
وإذا كانت الدولة قد وفَّرت مدناً صناعية واقتصادية، وهيَّأتها بالبنى التحتية، ووضعت مزايا خاصة لمن ينتقل أو يؤسس استثماره فيها، بخلاف المزايا التحفيزية الأخرى، فإن حجم الاستقطاب ما زال أقل من المتوقع؛ فأغلب صادراتنا مواد خام أو وسيطة، بينما مستورداتنا مواد نهائية بنسبة كبيرة؛ ولا بد من الانتقال نحو تنفيذ الاستراتيجية الصناعية المعتمدة منذ سنوات عدة بوتيرة متسارعة، وذلك من خلال النظر إلى العوائق التي تقف أمام تنفيذها، وكذلك أمام جذب الاستثمارات محلياً.
وبالرغم من وجود العديد من الجهات والمبادرات للتعريف بالفرص الكامنة بالاقتصاد إلا أن النتائج لا تبدو منطقية قياساً بما هُيِّئ من إمكانيات أو ما يبرز بالاقتصاد المحلي.
فالمستثمر الأجنبي قد تصله معلومات الفرص، ويدرسها بشكل أفضل مما تصل للمستثمر المحلي، كما أن التركيز على الضخ بصناعات معينة دون غيرها سيكون عاملاً سلبياً مع الزمن إذا لم يبدأ التنوع من الآن بالإنتاج،وكذلك الانتقال للصناعات النهائية بتركيز أكبر وأوسع؛ كونها تحقق العديد من المزايا، كتلبية الطلب المحلي، وتقليل الاستيراد، وكذلك توطين الأموال، وأيضاً فتح الفرص الوظيفية أمام الشباب، وأيضاً تعزيز نسب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالاقتصاد؛ حتى لا يبقى الشباب المؤهل ينتظر الوظيفة، سواء بالقطاع الخاص أو العام.
إن الانتقال لردم الفجوة التعريفية بالفرص الاستثمارية لا يجب أن يبقى رهين أدوات تقليدية لإيصال المعلومات،ودفع الشباب نحوها،بل يفترض أن يكون متنوعاً بأساليبه ومتكاملاً بعوامل دعمه، فمِن سَنّ التشريعات الميسرة لإنشاء المشاريع بالفرص الواعدة، إلى أهمية أن يتوسع الدور المناطقي لمراكز التعريف بالفرص الاستثمارية، ودعمها..
ويجب أن يترسخ ذلك بإيجاد مكاتب خاصة تُعنى بحصر الفرص، وتقديم التسهيلات كافة لمن يرغب في التوجُّه لها، مع أهمية وجود أذرعة تمويلية متخصصة ذات كفاءة عالية وسرعة ومرونة بالإجراءات مبنية على حسابات المخاطر لكل نشاط، وحجم الحاجة له بالمملكة عموماً، وبكل منطقة خصوصاً؛ ليتم إيقاف التمويل بل عرض الفرص التي يكتفي منها السوق بمرحلة زمنية معينة، مع اتخاذ الإجراءات المساندة لدعم نجاح المشاريع التي تعتمد على كم الإنتاج أو المنافذ للمشاريع الخدمية والنوعية للمنتج أو الخدمة، ويفترض أن تساندهم بعض الجهات المختصة بمعايير الجودة والمواصفات القياسية؛ حتى يتمكنوا من المنافسة مع المنتج المستورد.
إن الفرص الموجودة بالاقتصاد المحلي كبيرة، وتظهر حتى بمواسم الحج والأعياد والكثير من المناسبات الأخرى،بخلاف الطلب المستمر من خلال الإنفاق الحكومي؛ ما يعني أننا بحاجة للعمل بأسلوب مختلف عملي، وليس تنظيرياً أو بمنهج يكون التنسيق فيه واسعاً ما بين الجهات المعنية؛ حتى يكون العمل متناسقاً ومتوازياً بين الجميع، وتصل الفرص للراغبين بيسر وسهولة؛ فعامل الوقت مهم جداً لنجاح المشاريع واستقطاب الناس لها،وهذا لا يمكن التغلب عليه إلا بتوحيد الجهود واختزال الإجراءات وتيسير الأعمال أمام المستثمرين، فما أُنفق على البنى التحتية وإنشاء عشرات المدن الصناعية أرقام كبيرة، إلا أن عدد المصانع يتعدى (بالكاد) خمسة آلاف مصنع، وهو رقم ضئيل أمام الإمكانيات المتاحة، كما أن عائد الإنفاق الحكومي على المدن ومشاريع البنى التحتية يجب أن يتعاظم بأضعاف ما أُنفق وإلا يكون بدون عائد مُجْزٍ وهدراً مالياً، يحتاج إلى وقت طويل جداً حتى يثمر، وتتبدد معه جاذبية السوق، وستقل معها أيضاً نمو فرص العمل الجيدة بالاقتصاد إذا لم تتغير الطرق والأساليب الجاذبة للاستثمارات والمستثمرين.
نقلا عن جريدة الجزيرة