التعاون كظاهرة اجتماعية، قديم قدم البشرية، وشمل العديد من أنماط النشاط الجماعي بين الأفراد المتمثل في العون والتضامن والمساعدة المتبادلة وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية لا يمكن أن تتحقق بالمجهود الفردي،ومورس التعاون بالفطره في كافة المجتمعات منذ الازل وبدى ذلك جلياً من خلال تعاون افراد المجتمع الواحد في اقامة المساكن او جني المحاصيل الزراعية كالقمح والزيتون وفي مناسبات الافراح والاتراح ومعالجة اثار الكوارث الطبيعية والحروب حيث كان الناس يندفعون فطرياً لتقديم العون والمساعدة لصاحب الحاجة ويتوقعون المعاملة بالمثل عند حاجتهم لهذا العون ايضاً .
وعليه نستطيع القول ان كلمة التعاون تعني المشاركة والمساعدة المتبادلة والعمل معاً وانه طريقة مثلى لتأدية وانجاز الاعمال بشكل افضل واسرع والتعاون ليس هدفاً بحد ذاته ولكنه وسيله فضلى لبلوغ الهدف.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن التعاون في صورته (الفطرية)، إنما ينصب حديثاً عن التعاون المنظم كوسيلة وأداة أصلاحية وتصحيحية في المجتمع والذي برز بصورة واضحة في أعقاب الثورة الصناعية بأوربا في منتصف القرن الثامن عشر كرد فعل للمساوئ الناجمة عن فشل الرأسمالية، خاصة بالنسبة للمزارعين والطبقة العاملة،وتمثلت هذه الآثار السيئة للنظام الرأسمالي المتدهور في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال، وانتشار العطالة انخفاض وتدني في مستوى المعيشة، استغلال النساء والأطفال في الإنتاج الرأسمالي لانخفاض أجورهم وظهور كثير من الأمراض والعلل الاجتماعية الخطيرة.
ظهر الفكر التعاوني على يد مايعرف بالاشتراكية الطوباوية ويعتبر ( روبرت اوين ) الأب الحقيقي للتعاون والتي مهدت تجاربه الي ظهور اول نموذج تعاوني ناجح عام 1844 في روتشديل – انكلتره وبمبادرة عمالية صرفة وبالتالي ظهور التعاون استهلاكي ثم اعقبها التعاون الانتاجي الحرفي في فرنسا والتعاون الإئتماني في الماني .
لقد كان للنظريات الاشتراكية التعاونية الاصلاحية أثر كبير في نجاح التجرية التعاونية وإنتشارها في بقاع العالم المختلفة، ابتداء بالطوباوية الاوينية(1771- 1858) ومجهودات شارل فورييه(1772- 1835) والشركات التعاونية للكنجية ( وليم كنج 1786- 1865) ومساهمات ( لويس بلان 1811- 1882 ، فردنياند لاسال 1825 - 1864) والمدرسة الالمانية الجيدية ( 1847 – 1932 ) والبارانوفسكية ( توكان بارانوفسكي (1865- 1919 ) ونظريات الربح التعاوني في القرن العشرين ، هذا إضافة نظريات "ميلر" التعاونية والتجربة التعاونية الكيبوتسية في إسرائيل.
حاول روبرت أوين 1771-1858 "الأب الروحي للتعاون" تطبيق أفكاره الإصلاحية عن طريق جمع جهود العمال تعاونياً، وعلى الرغم من الإخفاقات التي لازمت التجربة إلا أنها كانت كافية لانطلاق التجربة التعاونية العالمية الرائدة لرواد روتشيديل، حيث اجتمع في 15 أغسطس 1843، 28 عاملاً من بينهم امرأة بمدينة روتشيديل الإنجليزية معلنين أول جمعية تعاونية في العالم.. ومن ثم انتقلت التجربة الناجحة إلى بقية المدن البريطانية وإلى بقية دول أوروبا والعالم.
وفي بداية سنة 1843م لخص أوين أفكاره في أهمية قيام العمال بجمع مساهمات يقيمون بها وحدات بيعية تقدم لهم السلع التي : يحتاجونها بأسعار معقولة ، ووحدات تقدم لهم مزايا الإنتاج الكبير والتسويق الأوفر والشراء والبيع بما يعود عليهم بنتائج أفضل .
وحدد أسس أصبحت نواة لمبادئ التعاون وجدت قبولاً من الطبقة العاملة في انجلترا ، وبناء عليها شهد العام في منتصف عام 1844 بزوغ الحركة التعاونية العالميةً بتأسيس أول جمعية تعاونية ناجحة في العالم هي جمعية رواد روتشديل التعاونية.
تلي ذلك قيام "رواد روتشديل المنصفين" (Rochdale Equitable Pioneers) بإنشاء أول متجر لهم في تود لين، بروتشديل "وهي بلدة صغيرة في مقاطعة لانكشاير بانجلترا".. وكانت عبارة عن متجراً استهلاكياً ، وبذلك شهد حي (تودلين) في بريطانيا أول عمل اقتصادي تعاوني رشيد (علي أسس حددها روبرت أوين) .
وبقيام جمعية روتشديل التي جمع رأسمالها (سنتاً ... سنتاً) من العمال حتى بلغ (26) ستة وعشرون جنيها إسترلينيا.
بدأت روتشديل من 1843م / 1845م في التطور ، وبدأ الفكر التعاوني (وأسسه) التي تحولت إلي مبادئ في الانتشار بما حققه التطبيق من نتائج طيبة تخطت مجالات الاستهلاك إلي مجالات أخرى منها المساهمة في إنشاء المساكن العمالية : بعد أن زادت عضويتها وتضاعفت رؤوس أموالها ونمت قدراتها تمكنت من أن تمتلك أكبر أسطول بحري تجاري في العالم في ذلك الوقت.
ويذكر الباحثين في مجال التعاون ان سنة 1844 تعتبر نقطة تحول في تاريخ الحركة التعاونية عالمياً حيث أسست اول جمعية تعاونية ناجحة في العالم هي جمعية رواد روتشديل التعاونية ، وروتشديل بلدة صغيرة في مقاطعة لانكشاير بانجلترا ، حيث كانت البلاد تعاني من اثار الحروب النابليونية والتي استمرت (15) سنة وسببت شدائد كثيرة كما كان للثورة الصناعية ضلع كبير والتي احدثت التغير من الاقتصاد الزراعي الى الاقتصاد الصناعي اثر اختراع الآلة البخارية التي تدار بالفحم الحجري مما أدى الى إعادة التوزيع الديمغرافي للسكان والانتقال من ضفاف الانهار ومساقط المياه الى المناطق القريبة من مناجم الفحم الحجري للزيادة السريعة والكبيرة في المصانع المقامة قرب المناجم وتوافر كبير لفرص العمل فيها لاعداد غفيرة وهنا نشأة الحاجة للحصول على المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية والمساكن في المناطق الجديدة واصبح يتطلب ذلك توريد المواد الخام من مناطق نائية وفي ظل هذه الصعاب نشأ صراع الحركات العمالية مع اصحاب المصانع لتوفير هذه المتطلبات .
ومن هنا انبعثت لدى عدد من العاملين القاطنين في بلدة روتشديل فكرة انشاء جمعية تعاونية وكانت الحاجة والظروف الاقتصادية والاجتماعية هي المحرك والباعث ، حيث أسست الجمعية من (28) رجلاً جمعوا (16) جنيهاً وفتحوا حانوتاً متواضعاً يحوي السلع الضرورية بحيث يمكنهم من توفيرها لعائلاتهم وبسعر معقول ودون غش بالنوعية او الوزن ، ووضعوا دستوراً (( نظام داخلي )) مكتوب لجمعيتهم تضمن الغايات والاهداف وطريقة جمع المال وتوزيع الارباح واسلوب الادارة وخطة الجمعية ، وتوسعت الجمعية مع النجاح وبمرور الوقت في اعمال الحانوت الى ان اصبح يوفر كافة السلع والملابس واضيفت مطحنة حبوب بعد (5) سنوات واصبح عدد الاعضاء بعد (7) سنوات (600) عضو ومبيعاتهم (13) الف جنية .
توالى تأسيس التعاونيات في انجلترا من مختلف الأنواع والغايات وصدر اول تشريع حكومي عام 1852 لادراك حكومتهم آنذاك بأهمية الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأت تؤديه التعاونيات ، وفي عام 1863 أسس أول اتحاد جمعيات تعاوني ضم (48) جمعية لتوريد وتسويق المواد الغذائية والمنزلية بالجملة لاعضاء الاتحاد من الجمعيات وانتخب أحد رواد روتشديل رئيساً للاتحاد وتوالت الحركة التعاونية بانجلترا بالتطور والرقي فأسست اول صحيفة تعاونية عام 1871 ثم رابطة السيدات التعاونية 1883 لتقديم خدمات رعاية الأمومة والطفولة وتحسين أحوال استخدام النساء العاملات في المصانع .
وفي نفس فترة ازدهار التعاونيات في انجلترا كانت تزدهر حركة تعاونية للتسليف والتوفير التعاوني الزراعي في المانيا حيث الحيازات الزراعية الصغيرة والمعاناة من السعر المتدني للمنتوجات وارتفاع سعر الفائدة على المبالغ المقترضة للمزارعين من الممولين والتجار مما دفع السيد فريدريك رايفايزن رئيس بلدية لمجموعة من القرى للتفكير بتأسيس اول جمعية تعاونية للتسليف والتوفير بنظام داخلي مكتوب ومتفق عليه وباسهم واشتراكات متواضعة وبوشر باقراض الأعضاء قروض إنتاجية زراعية مشروطة ومراقبة وكانت النتائج إيجابية جداً على المزارعين.
وعليه انتشرت هذه الجمعيات في كافة اقطار اوروبا ثم إلى كافة انحاء العالم وتنوعت بتنوع حاجات المجتمعات الاستهلاكية والزراعية والإسكانية والصحية وصيد الأسماك والنقل والتسويق والاعمال النسائية والمدرسية والعمالية واعمال أخرى كثيرة تشمل كافة نواحي الحياة .
واستطاع التعاون نتيجة النجاحات التي حققها نقل الاهتمام به من الإطار الوطني إلى الإطار الدولي حيث تم تأسيس الحلف التعاوني الدولي بلندن عام 1895 وقد تم الاحتفال في السادس من يوليو 1995 بمرور مائة عام على تأسيسه وتم ترسيخ تعريف التعاونية بأنها "منظمة ذاتية الإدارة تتكون من أشخاص يتحدون اختياريا لمواجهة احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأمالهم من خلال مشروع ملكية مشتركة ويدار ديمقراطيا ".