واصل معدل النمو السكاني ارتفاعه الاستثنائي غير العادي ليصل إلى أعلى مستوى له في أكثر من 5 سنوات وليصل مع نهاية سبتمبر الماضي إلى 10.3% مقارنة بـ 8.4% قبل سنة، وذلك بعد أن كان قد انخفض في العام 2010 إلى 1.14% ثم إلى 2.23% في عام 2012. وبالنتيجة فإن عدد السكان قد تجاوز المليوني نسمة ووصل تحديداً إلى 2.035 مليون نسمة.
والمعدلات محسوبة على أساس المقارنة بين أعداد السكان في نهاية سبتمبر من كل سنة. هذه التغيرات السريعة في أرقام السكان تسترعي الإنتباه والتوقف عندها مرة أخرى لما فيها من دلالات.
وبالطبع فإن هذا التطور يضع قطر في مقدمة دول العالم من حيث معدلات النمو السكاني، إذ أن المألوف ألا يزيد المعدل الطبيعي عن 3%، وبالتالي فإن هكذا زيادة تعود في الأساس إلى قفزة كبيرة في معدلات الهجرة إلى الداخل، تذكرنا بما حدث في قطر في سنوات الطفرة قبل عام 2009، وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
وهذا الإنفلات في النمو السكاني يعيدني إلى مقالات سابقة عن هذا الموضوع توقعت فيها أن يرتفع عدد السكان في العام 2016 إلى 2.3 مليون نسمة.
ويومها قلل مسؤولون من إمكانية حدوث ذلك باعتبار أن الخطة الاستراتيجية الأولى ستتعامل مع هذا الموضوع، وأن انتهاء إقامة مشروعات الغاز ومغادرة عشرات الألوف من العاملين فيها،كفيل بضبط النمو السكاني.
على أن هذه التطمينات الرسمية لم تتحقق على أرض الواقع، وإذا استمر التزايد في السكان بنفس هذه الوتيرة المرتفعة، فإن مشاكل اجتماعية واقتصادية سوف تحدث إن آجلاً أو عاجلاً.
وقد تناولت الموضوع في مقال سابق في شهر مارس الماضي، وأجد من المناسب العودة إلى إثارته ثانية طالما استمر التسارع الكبير في معدل النمو السكاني، بحيث قد يصل العدد الكلي إلى 2.5 مليون نسمة مع نهاية عام 2015.
ومن بين المشاكل التي تحدثها الزيادة السريعة ما يلي:
1-أن الزيادة السكانية المتسارعة باتت تضغط على المتاح من مرافق البنية التحتية، وفي مقدمتها الطرق وخدمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم والصرف الصحي، وبات من المألوف أن تحدث مشاكل واختناقات في حركة المرور،، وطوابير الانتظار في المرافق المختلفة، وهو ما يقلل من قدرة الناس على الانتاج باعتبار الوقت المهدور والضائع من ناحية، وبسبب ما يشكله الزحام من ضغط على الأعصاب فتكثر حوادث السير المعطلة وتزداد الأمراض المزمنة.
2- أن الضغط على المرافق يستلزم انفاق مئات المليارات الأخرى من الريالات في أعمال التوسعة أو لبناء مرافق جديدة، لم يكن المجتمع بحاجة لها.
وعلى سبيل المثال لو أن معدل النمو السكاني كان فوق الطبيعي، ولكن لا يزيد عن 4%، فإن عدد السكان لم يكن ليتجاوز المليوني نسمة في عام 2016.
وإذا كان ارتفاع سعر النفط، ووصول انتاج الغاز إلى ذروته قد وفر امكانيات تمويل موازنات ضخمة بلعت 210 مليار في العام المالي الحالي، فإن الإيرادات يمكن أن تنخفض إذا ما انخفضت أسعار النفط،، وهو أمر وارد إذا ما زاد انتاج ليبيا والعراق وإيران من النفط مجدداً.
3- أن الميزانية العامة للدولة ستتحمل نفقات دعم متزايدة لسلع مهمة كالبنزين والكهرباء والماء والدواء والخبز واللحوم.
4- أن زيادة عدد السكان على النحو المشار إليه ستزيد حتماً من مشاكل التلوث البيئ،، ومن يعرف كيف كانت أجواء قطر صافية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، يُدرك حجم المخاطر التي ستغرق فيها البلاد إذا استمر الحال على هذا المنوال.
وفي حين كان هناك حرص على إقامة الأحراش والمتنزهات بما يتناسب مع حركة النمو العمراني، فإن الزيادة في إقامة المباني والجسور والطرق ومحطات التحلية والمصانع قد باتت لا تترك متسعاً للمناطق الخضراء.
5- أن استمرار التسارع في الزيادة السكانية يؤدي إلى تعميق الاختلال الحاصل في التركيبة السكانية لصالح غير العرب وغير المسلمين مما قد يهدد بمشاكل على هوية البلد في المستقبل المنظور.
وقد رأينا مؤخراً كيف أن هناك من يصطاد في الماء العكر ويسعى إلى توظيف بعض الأحداث العادية في الضغط على دولة قطر وتشويه سمعتها، ومن ذلك ما قيل عن زيادة عدد الوفيات بين العاملين من جنسية نيبالية، مع العلم أن عدد المتوفين لا يزيد عن المعدل الطبيعي للوفيات.
6-إن سهولة استقطاب الآف الإيدي العاملة من الخارج سنوياً سوف يؤدي حتماً إلى التضييق على الفرص المتاحة لأبناء المقيمين وخاصة من هم من مواليد قطر، فتزداد بينهم معدلات البطالة إلى مستويات مرتفعة مع ما في ذلك من آثار سلبية.
7-أن الزيادة السكانية سوف ترفع معدل التضخم وتزيد تكلفة المعيشة مع العلم أن الزيادة واقعة بالفعل في مجال أسعار العقارات والإيجارات.