أثار مقال الأسبوع الماضي عن تراجع معدل التضخم في قطر إلى مستوى 2.8% في شهر سبتمبر الحالي،بعض ردود الأفعال والتساؤلات من جانب عدد من القراء، حيث رأى البعض منهم أن المعدل الذي نشره جهاز الإحصاء عن نفس الشهر بلغ 3.1%، في حين رأى البعض الآخر أن تكلفة المعيشة في قطر تبدو أكبر من ذلك بكثير، وأن الأرقام الخاصة بمعدلات الإيجارات ليست مستقرة حتى الآن وأنها مرشحة للارتفاع بتأثير الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار الأراضي الفضاء ومن ثم العقارات هذا العام.
وفيما يتعلق بتضارب الأرقام مع بيانات الإحصاء أشير بداية إلى أن جهاز الإحصاء قد نشر تقريراً على موقعه على الإنترنت يفيد بأن معدل التضخم لشهر سبتمبر هو 3.1% بدون تغير عن الشهر السابق شهر أغسطس،،، إلا أنه عاد سريعا وألغى التقرير المشار إليه، ونشر تقريراً آخر ورد فيه أن معدل التضخم في قطر قد بلغ مستوى 2.8% في سبتمبر منخفضاً في ذلك عن الشهر السابق.
وقد فوجئت أنا شخصياً بهذا التغيير المفاجئ في الأرقام ما بين يومي 19 و 20 سبتمبر، وخاصة أنني لم ألحظ تنويهاً من الجهاز بحدوث خطأ ما واستبدال الرقم بآخر. وعليه فإن من رأوا المعدل بصيغته الأولى أي 3.1% كانوا على حق، وإن فاتهم الإطلاع على التعديل المنشور في ذات المصدر بعد ذلك.
أما فيما يتعلق باعتراضات البعض على مقولة أن المعدل قد دخل في حالة تراجع في الشهور الأخير بعد أن بلغ ذروته 3.7% في شهر إبريل الماضي، وأنهم لا يرون مثل هذا التراجع في واقع تكلفة المعيشة التي لا تزال مرتفعة جداً، فإنني أجيب على ذلك بالقول أولاً بأن هكذا تراجع مصدره بيانات جهاز الإحصاء التي تصدر شهرياً وأن ذلك ليس إدعاءا أو سوء تقدير من عندي، بل هو نقل مباشر أو تحليل لبيانات الجهاز.
ومن جهة أخرى أشير إلى أن السبب في الانخفاض الظاهر في المعدل مرده أن بعض مكونات الأسعار لا تدخل في تركيبة الرقم القياسي للأسعار، ومن ذلك مكون أسعار العقارات نفسها.
فالمتابع لأسعار العقارات من واقع اتصاله بمكاتب السماسرة أن هذه الأسعار كانت في ارتفاع مستمر في شهور عام 2013 بحيث قفز سعر الفيلا الصغيرة من 2-2.5 مليون ريال في بداية عام 2012 إلى 3-3.5 مليون ريال في النصف الأول من العام 2013، وإلى أكثر من ذلك في الشهرين الأخيرين.
وغياب هذا المكون عن تركيبة الرقم القياسي للأسعار يُضعف من دقة المؤشر في قياس التغيرات التي تطرأ على تكلفة المعيشة في قطر من جانبين؛ الأول لجهة تأثيرها على ميزانيات القطريين والخليجيين ومن يُسمح لهم بشراء العقارات في قطر، والثاني أن ارتفاع تكلفة بناء أو شراء العقار يعمل-ولو لاحقاً- على زيادة معدلات الإيجارات.
ولهذا السبب الأخير اختلف بعض المستثمرين مع ما تضمنه المقال السابق من تباطؤ الزيادة في أرقام الإيجارات،في الوقت الذي تتجه فيه أسعار العقارات إلى الارتفاع وبوتيرة متسارعة.
وأنا أتفق مع هذا المنطق في التحليل، وأرى ضرورة تعديل مكون الإيجارات ليشمل بند أسعار العقارات، وهو أكثر جدوى من ضم مكون الوقود والطاقة مع الإيجارات حيث أن أسعار الوقود في قطر تبدو ثابتة بطبيعتها ولا تتغير إلا كل عدة سنوات عندما تطرأ زيادة على تسعيرة الوقود أو الكهرباء، أو كليهما معا.
الجدير بالذكر أن جهاز الإحصاء قد اتبع منذ سنوات منهجاً إضافياً يتمثل في إصدار رقم آخر معدل بعد حذف مكون الإيجار والوقود من الرقم العام، وذلك تمشياً مع ما تتبعه أجهزة الإحصاء الغربية من حذف لمكون الطاقة في أرقامها.
وإذا كان لدى تلك الأجهزة مبرر قوي لهذا الحذف نتيجة التذبذب الشديد في أسعار النفط ما بين شهر وآخر، فإن ثبات أسعار الطاقة في قطر يجعل من هذا الحذف مجرد تقليد بدون معنى أو فائدة تُرجى.
كما أن تلازم الإيجارات مع الوقود في قطر يجعل من استنباط مؤشر إضافي بدون مكون الإيجارات أمر مضلل حيث ينتج معدلاً منخفضاً جداً بما لا يتمشى مع الهدف الحقيقي لإصدار الرقم القياسي لأسعار المستهلك، وهو قياس التغير في تكلفة المعيشة، فكيف يستوى حذف مكون يشكل بمفرده 32.5% من تركيبة سلة الرقم القياسي لأسعار السلع والخدمات التي يستهلكها أو يستخدمها المستهلك؟ ثم أن التغيرات على هذا البند ليست متذبذبة صعوداً وهبوطاً بل تأخذ في العادة اتجاهاً واحداً لعدد كبير من الشهور.
الغريب أن بند مكونات أخرى-والذي يشتمل على أسعار الذهب- بات يتذبذب في السنوات الأخيرة صعوداً وهبوطاً ويؤثر بالتالي على المعدل العام للتضخم،، وهو أجدى بحذفه من حذف مكون الإيجار..