في الفترة التي تتكيف أو تصمد في جزءٍ منها أبرز مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي مع التحديات العالمية؛ بدءاً من تراخي أسعار النفط وتقلبات الأسواق العالمية، متأثرةً بالصراعات التجارية بين الاقتصادات الكبرى من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر اتساع رقعة الاضطرابات الجيوسياسية دولياً، مضافاً كل ما سبق إلى التحديات الملقاة على كاهل الاقتصادات الكبرى منذ عدة أعوامٍ، من ارتفاع الديون عموماً على الحكومات والشركات والأُسر، مروراً بالارتفاع الذي لا زال سائداً في أسعار الفائدة على الرغم من خفضها بدءاً من النصف الثاني من العام الماضي، وصولاً إلى الضبابية التي تزداد كثافةً فترةً بعد فترة على مستوى توقعات الاقتصاد العالمي، وما قد يجرّه كل ذلك على أسواق العمل ومختلف نشاطات الاقتصاد العالمي، أمام كل ما تقدّم أعلاه من أهم الملامح التي تتسم بها المتغيرات الاقتصادية والمالية العالمية، يستحضر الاقتصاد المحلي كثيراً من ممكناته وفرصه الواعدة، التي دفعت بنشاطاته نحو تسجيل معدلات نمو إيجابية خلال 2024 وصلت إلى 4.1% لنشاط الخدمات، وإلى 3.3% للنشاط الصناعي باستبعاد القطاع النفطي، وإلى 3.3% لنشاط الزراعة، لتمنح في مجملها للاقتصاد المحلي قدرةً على النمو ودفع البطالة نحو مزيدٍ من الانخفاض، والسيطرة في الوقت ذاته على معدل التضخم عند 1.7% كمعدل سنوي للعام 2024 كاملاً.
وتمكّن المالية العامّة من تحفيز الاقتصاد المحلي بنحو 34% منه كإجمالي إنفاق حكومي خلال العام المالي الماضي، في المرحلة ذاتها التي تمكنت المالية العامّة من إحكام السيطرة على مستويات كلٍ من العجز المالي السنوي (2.8% من الناتج المحلي الإجمالي)، والدين العام (26.2% من الناتج المحلي الإجمالي).
قد يحمل المشهد الاقتصادي العالمي مزيداً من التقلبات تحت ضغوط زيادة الحروب التجارية بين الاقتصادات الأكبر، مضافاً إلى ما يتحمّله من أزماتٍ وتحدياتٍ سابقة لم يخرج من دائرتها التي أحكمت حصارها له من بعد الجائحة العالمية كوفيد-19، إلا أنّ الاقتصاد المحلي خلال ذات المرحلة يحمل في مواجهة أيّ من تلك المخاطر العالمية بمعنى أدق؛ رصيداً معتبراً من الموارد والممكنات التي تؤهله للصمود في وجهها بدرجةٍ جيدة.
ولعل احتفاظ الاقتصاد المحلي بأعلى تصنيفات الملاءة واحداً من أهم المؤشرات الدالة على هذه النظرة، إضافةً إلى ما يتمتع الاقتصاد محلياً من فرصٍ واعدة اقترنت بعديدٍ من الاستحقاقات الدولية خلال العقد المقبل، ودون إغفال نوع وكم الآثار الإيجابية التي نتجت على الاقتصاد الكلي محلياً بفضل الإصلاحات الهيكلية العملاقة لرؤية السعودية 2030، بما يؤهل للقول بتوافر القدرة اللازمة والكافية لدى الاقتصاد المحلي على الصمود في وجه أية مخاطر قد تطرأ على الاقتصاد الدولي، والتأكيد أيضاً على أنّ الأمر لا يذهب إلى رسم صورةٍ وردية بعيدةٍ عن الواقع؛ كون الاقتصاد السعودي جزءٌ محوري من الاقتصاد العالمي.
وقد يتأثر عكسياً بأيٍ من تلك المتغيرات العكسية على مستوى الاقتصاد العالمي، إلا أنّه يمتلك رصيداً جيداً من القدرة على التعامل والتكيف مع أيٍّ من تلك المتغيرات لو حدثت لا قدّر الله، فالاقتصاد السعودي تمكّن من تحديث هيكله الكلي بدرجةٍ لافتة منذ بدأته الإصلاحات في منتصف 2016 حتى تاريخه، وأصبح يمتلك مرونةً أكبر بفضل رؤية السعودية 2030 مقارنةً بما كانت عليه قبل عقدٍ من الزمن، وهذا مما يحافظ بدرجةٍ كبيرة على الثقة في الاقتصاد المحلي أمام المستثمرين محلياً أو من خارج الحدود، ويؤمل بمشيئة الله تعالى أن يؤكده أداء الاقتصاد الكلي محلياً خلال العام الجاري والعام المقبل.
نقلا عن الاقتصادية