كانت نهاية السبعينيات مرحلة الأسئلة الاقتصادية الشائكة بالنسبة لدول الخليج العربي، وذلك لأن ارتفاع عائدات النفط ترتَّب عليه وضع أولويات تنمويّة تُوظّف فيها الموارد المتدفقة للحاق بالعصر الاقتصادي. وقد طرحت أسئلة تتعلق بالنموذج التنموي الذي يستتبع والخطط التنموية، ومن الأسئلة ما اتصل بالسرعة أو البطء، وكيفية توفير العمالة الأجنبية. وحين انطوت فترة السبعينيات بطفرتها وبقفزتها المثيرة انتقل الاقتصاد الوطني والمنطقة كلها من مربع إلى مربع اقتصادي جديد. هذه النقلة أحدثت آثارها السلبية والإيجابية. ومن الآثار الباقية دخول العمالة الأجنبية، وهي لم تكن من ثقافة المجتمع، فليس ثمّة وجود لسائق عائلي للأسرة الخليجية، ولكنه صار جزءًا من معادلة التنمية في قطاع التشغيل والبناء، وهكذا أضيفت أسئلة متّصلة بالعمالة الأجنبية في ظل اختلاف الأوضاع عن فترة السبعينيات.
الطفرة الأولى جعلت حجم العمالة الأجنبية في الاقتصاد من الأمور التي تحتاج لمعالجة في ظل تصاعد نسب الشباب الذي يتطلع للعمل في القطاع الخاص وإنْ بثقافة عمل تنقصها الإنتاجية وهي من أهم شروط استمرار العامل في وظائف القطاع الخاص.
إن في تفاصيل نسب العمالة الأجنبية وتصنيفها الوظيفي علاج، حيث إن أكبر نسبة هي للعمالة اليدوية وبعضها منزلي، وهي وظائف يأنفها المواطن السعودي على أن وجود شريحة العمالة المنزلية بهذا المعدل قد يعني لمن يُعالج وضعها استصحاب جانب آخر، وهو ارتفاع مستوى دخل المواطن السعودي، وتحول الأسر نحو الاستهلاك العالي، وهو وضع يصعب إغفال أن الأجيال الجديدة تعتمد على العمالة الأجنبية، بل إن من يطلب العمل منهم يبحث عن وضع وظيفي غير واقعي. وهذا ما يُفسِّر لماذا يذهب 80% من الشباب السعودي للقطاع العام، لأنهم يُدركون أن القطاع الخاص يعتمد بصورة أساسية على شروط الإنتاجية والربحية، وأن من لا يجتهد ستكون وظيفته خارج التكلفة وسيفقدها. وبما أن مستوى معيشة المواطن السعودي تحتاج لأمان وظيفي ودخل أعلى، فإن من ضمن الحلول التي يميل إليها كاتب هذه السطور تحديد حد أدنى للعاملين في القطاع الخاص، فهذا فضلاً عن توفيره مستوى معيشي لائق للسعودي، فإنه يحفّزه على الانخراط في القطاع الخاص، وسيكتشف اعتماده على الإنتاجية، وأنها مبرر وجوده ليُحقِّق ربحًا لملاكه، ومن ناحية أخرى المساواة في الأجر بالنسبة للأجنبي وللمواطن السعودي من أهدافها توفير عيش كريم للجميع، وأيضًا لضبط نمو استقدام الأيدي العاملة بآلية اقتصادية.
لكن لكي تنجح هذه الخطوة وغيرها وتضيف قيمة للقفزة الاقتصادية الحالية، فإن ذلك يتطلب تصويبًا في ثقافة العمل لدى المواطن، لأنها من العوامل الحاسمة لنجاحه في وظيفته واستمراره فيها. الأمان الوظيفي الذي يتطلع إليه العامل السعودي في القطاع العام يمكن توفيره في وظيفة القطاع الخاص عبر غرس ثقافة العمل في الأجيال الجديدة، ومن جانب آخر على القطاع الخاص أن يدرك أن متوسط حجم الأسرة في المملكة يتراوح ما بين أربعة إلى خمسة أفراد، وهو ما يستدعي ضمان عيش كريم للأسر ولعائلها، والحال كذلك لابد من استيعاب حقيقة أن مستوى معيشة العامل السعودي تختلف عن مستوى عيش بيئات اجتماعية ليست بالضرورة مرتبطة بمستوى وحجم الاستهلاك، والميل له في المملكة، وبالتالي هناك تمايز واختلاف عن العامل الآسيوي أو غيره، حيث يُمكنه أن يعيش على حد الكفاف.
تعزيز إستراتيجية ثقافة العمل مهم للحد من تدفق العمالة الأجنبية، وتساعد على توطين الوظائف في الطفرة الجديدة، ووضع ذلك في الاعتبار سيجعل التوطين يتلافى ما تم إغفاله في مرحلة السبعينيات، ويصبح عامل نجاح للنمو الحالي بالمملكة ولاستمراريته.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
كما يقول ميلتون فريدمان, وضع حد ادنى للرواتب بالقطاع الخاص يزيد بالبطالة لأن الشركات لن توظف الا عندما يكون العامل يستحق هذا الحد الادنى. من يستحق أقل (الطبقة الاقل مهارة والافقر) لا تطلبه الشركات. برأيي ان كلامك صحيح لكن أفضل آلية أخرى, وهي ان لا يكون تحديد الحد الادنى للاجور بقرار حكومي (وما يتبعه من بيروقراطية وصعوبة تنفيذ), بل بمنع الاستقدام بشكل تام (أو شبه تام). منع الاستقدام كفيل لرفع الرواتب بشكل هائل. فاما تدفع الشركة راتب ترضي المواطن, او تغلق ابوابها. (وهذه السياسة هي التي جعلت راتب الزبال الأمريكي والياباني راتب خرافي فلا يرضى احد بالعمل بالمهنة الا بدخل عالي جدا) هذا هو المعمول به بكثير من الدول ويجب ان نتقبله نحن أيضا.
اما بالنسبة ل "ذهاب 80% للقطاع العام" فهو ليس "ذهاب" بقدر ما هو مشكلة بمصدر الوظائف الأساسي وهو الحكومة (المفترض ان يكون القطاع الخاص). لكن نظرا لعدم وجود ضرائب تشعر الحكومة بانها تحتاج ل "التوظيف الخيري" مما يشوه سوق العمل أكثر وأكثر.