باتت أخبار القبض على المتورطين في جرائم تهريب ونقل واستقبال وترويج المخدرات في السعودية من الأمور المعتادة لدى المواطنين، ومن المؤسف أن نرى غالبيتهم غير مكترثين بها، وكأنها تحدث في دول بعيدة، لا تربطهم بها علاقة، ولا اتصال جغرافي. الأكثر إيلاما في تفاعل المجتمع مع قضايا المخدرات الخطرة، تجاهل خطباء المساجد لها، وتقصيرهم في أداء دورهم التوعوي والوقائي منها، من خلال منابر الجمعة، والدروس اليومية، وحلقات الذكر.
القبض على ما يقرب من 991 متهما، وضبط ما قيمته 2 مليار ريال من المخدرات في خمسة أشهر يجب أن يدق نواقيس الخطر في كل منزل ومسجد وجامعة ومدرسة ومتجر ونادي. فتلك الكمية قادرة على إغراق مناطق المملكة، بالمواد المخدرة، ودفع مزيد من المراهقين والمراهقات إلى الإدمان وزعزعة أركان المجتمع.
الزيادة المطردة في كمية المخدرات المضبوطة تشير إلى نمو الطلب المحلي عليها بشكل لافت، وهو ما يحمل مافيا المخدرات للتركيزعلى السوق السعودية، الأكثر ملاءة وطلبا على المنتجات المخدرة بأنواعها، من بين أسواق المنطقة برغم خسائرهم المالية المستمرة التي تقدر بـ(5) مليارات سنويا، إضافة إلى تفكيك شبكاتها، وتوقيف بعض أعضائها في الداخل.
أجزم بأن أهداف «مافيا المخدرات» المالية، وأهداف بعض الأجهزة الاستخباراتية التخريبية قد تلاقحت في السوق السعودية، فكميات المخدرات المضبوطة تكشف عن خفايا العلاقة المشبوهة بينها، ما ساعد على تحول عمليات التهريب الخارجية، قبل وصولها الحدود السعودية، إلى عمليات نقل منظمة ربما أنجزت تحت حماية جهات استخباراتية فاعلة في بعض دول المنطقة. الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، واستخبارات النظام السوري يشكلون فيما بينهم مثلث الشر المتحكم في حركة المخدرات المتدفقة إلى الأراضي السعودية، تدعمهم في ذلك جماعات منتشرة في بعض دول الخليج، والأردن والسعودية.
الكسب المالي طغى على الأهداف التخريبية الأخرى، خاصة مع تقلص الإيرادات الإيرانية ما أدى إلى خفض دعمها المالي لحزب الله والجماعات الموالية. أصبحت السوق السعودية مصدراً مهماً للكسب المالي المتأتي من تهريب المخدرات وترويجها في الداخل لتمويل أنشطة تخريبية واستخباراتية.
نجاح «مافيا المخدرات» باستغلال الشبكات المالية الإلكترونية في عمليات نقل وغسل الأموال المنظمة، واعتمادها على شبكات الإنترنت في التنسيق والتوجيه ونقل الأوامر، قادها لتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي لخدمة خططها الإجرامية في الداخل، ومنها ترويج المخدرات.
مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشئون الوقائية، عبدالإله بن محمد الشريف، كشف لجريدة «اليوم» السعودية، «عن استخدام المروجين أساليب جديدة لترويج المخدرات عبر الإنترنت والألعاب الإلكترونية.. واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج مثل البالتوك والفيسبوك والنت لوج»، الشريف شدد على أن « القضية زادت مشكلة تهريب وترويج المخدرات وضاعفت نشر المخدرات»، وطالب بتطوير «القدرات التقنية، وإيجاد مرصد دولي لكشف مخططات عصابات ومهربي ومروجي المخدرات عبر شبكات الإنترنت، وتبادل المعلومات».
تخلت عصابات المخدرات عن التقليدية في عملها، بعد أن لاحظت تعلق فئة الشباب بالإنترنت، وسهولة العمل وكفاءته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحقق أعلى معدلات الأمان لهم وللمشترين، ما يستوجب تطوير عمليات المراقبة والمتابعة والتوسع في الرقابة الإلكترونية التي باتت تشكل عصب المتابعة الاستخباراتية والرقابية في عالم. الاستثمار في التقنيات الأمنية، وتطوير الكفاءات البشرية، والتوسع في استحداث أقسام جديدة وربطها بمراكز المعلومات الدولية، ورفع مستويات التنسيق الدولي المرتبط بمراكز الرقابة التقنية، وتبادل المعلومات، سيسهم في الحد من استخدام شبكات الإنترنت في ترويج المخدرات محليا.
دعواتنا الصادقة لقوى الأمن عامة، ولرجال الأمن في مكافحة جرائم المخدرات بشكل خاص، الذين يسترخصون أرواحهم في سبيل الله، ثم في سبيل حماية الوطن والمواطنين من سمومها، فهم في جهاد مستمر مع عصابات خطرة ديدنها القتل والترويع والانتقام، نرجو الله أن ينزل موتاهم منزلة الشهداء، وأن يعين الباقين على أداء مهامهم، ويحفظهم من كل شر.
نقلا عن جريدة الجزيرة