حتى ينجح مترو الرياض

20/08/2013 7
د. عبدالرحمن محمد السلطان

لا يوجد مدينة كبرى في العالم المتقدم لا يوجد بها نقلٌ عامٌ قوامه الرئيس عادة شبكة قطارات تتيح التنقل غير المكلف والمريح لسكان المدينة، ما يقنعهم بالتخلي عن التنقل بسيَّاراتهم الخاصَّة، والمكاسب الاقتصاديَّة من وجود نقل عام في مدينة الرياض وغيرها من المدن الرئيسة في المملكة لا تعد ولا تحصى. منها على سبيل المثال، الحدّ من متطلبات التوسُّع في البنية التحيَّة للطرق المكلفة جدًا، والتخفيف من الاختناقات المرورية وتوفير وقت ساكني المدينة مما يزيد من إنتاجيتهم ويحسن من نوعية الحياة التي يَتَمتَّعُون بها، وتقليل الحوادث المرورية المكلفة على المستوى الشخصي والعام مما يحدّ من كل ما يترتَّب عليها من مشكلات صحيَّة تشكّل عبئًا هائلاً على الخدمات الصحية، وتقلل الحاجة لشراء السيَّارات مما ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري باعتبار أنَّها جميها سلعًا مستوردة، والحدُّ من التلوُّث البيئي الذي يرتبط بكثافة استخدام السيَّارات في المدن مع كل ما يترتَّب على ذلك من نتائج سلبية على صحة ساكنيها ما يحدّ من تكلفة الرِّعاية الصحيَّة المقدمة لهم، كما أن توفير نقل عام عالٍ الكفاءة يحدُّ من حاجة قطاع واسع من العائلات لاستقدام السائقين، الذي يمثِّل وجودهم استنزافًا ماليًا لميزانيات تلك العائلات ويترتَّب عليه مشكلات عائلية واجتماعيَّة في غاية الخطورة.

إلا أن هناك إشكاليتين رئيسيتين ستحدان كثيرًا من جدْوَى مترو الرياض يجب أن نعنى بهما الآن ونخطط لإيجاد حلول مناسبة لهما قبل استكمال تنفيذ هذا المشروع.

الإشكالية الأولى هي أن نجاح النقل العام مرتبط بِشَكلٍّ مباشر بوجود الحافز المالي المشجَّع على استخدام النقل العام بدلاً من السيَّارات الخاصَّة، الذي يتمثَّل عادة بالفارق الكبير في التَكْلفَة الذي يشجَّع على استخدام النقل العام. وفي ظلِّ التسعير الحالي لأسعار الوقود وتدنِّي تكلفة رخص سير السيَّارات فإنَّ معظم المواطنين والمقيمين قد لا يجدوا حافزًا يشجَّعهم على استخدام النقل العام.

الإشكالية الثانية وهي الأصعب والأعصى على الحلِّ هي الامتداد الأفقي الهائل لمدينة الرياض، بحيث إن مساحتها حاليًا تزيد على 1.200 كيلو متر مربع، ما جعل الكثافة السكانية في الكيلو المربع الواحد متدنية جدًا، ما يحد من مناسبة المترو كخيار للتنقل بالنِّسبة لمعظم ساكني مدينة الرياض، فخطوطه ستكون بعيدة جدًا عن موقع سكن أو عمل معظم ساكنيها. مما يعني حاجة ملِّحة للحدِّ من استمرار النمو الأفقي للمدينة وبدلاً من ذلك يتم التركيز على النمو الرأسي وتُطبّق سياسات تجبَّر ملاك الأراضي ضمن النِّطاق العمراني الحالي للمدينة على استثمارها أو التخلُّص منها ببيعها، ما يسهم في زيادة المعروض من الأراضي فتتراجع أسعارها ويرتفع معدل الكثافة السكانية في المدينة فتزيد جدْوَى النقل العام. ودون ذلك فإنَّ الضغوط الحالية لحلِّ مشكلة الإسكان المتفاقمة ستدفع باتجاه مزيد من التوسُّع الأفقي للمدينة، تتراجع معه جدْوَى المترو وتجعل شبكته بحاجة إلى توسيع وتكثيف مستمر تكلفتها باهظة.

نقلا عن صحيفة الجزيرة