الحمائية الأوروبية وتعميق الكساد الاقتصادي

30/04/2013 0
د.عبد العزيز حمد العويشق

انكمش الاقتصاد الألماني في الربع الأول من 2013، ومن المتوقع أن يدخل في مرحلة الكساد خلال أشهر قليلة،وستتبعه بقية دول أوروبا، مما سيؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الاقتصاد الخليجي.

أكتب هذا الأسبوع من بروكسل، حيث عقدت الاجتماعات السنوية بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي لمناقشة مجالات وأنشطة التعاون، وأوجه الخلاف، بين الجانبين.

وخلال مناقشة الأزمة في منطقة اليورو،نقل الجانب الأوروبي صورة قاتمة للوضع الاقتصادي هناك،فالتوقعات السابقة بالخروج من مرحلة الركود إلى الانتعاش الاقتصادي لم تتحقق حتى الآن، ولا يبدو في الأفق أمل قريب بحدوث ذلك. 

وتدل معظم المؤشرات على انتكاسة حقيقية في الاقتصاد الأوروبي.

والأسوأ من ذلك، حسب صندوق النقد الدولي يوم الخميس الماضي (25 أبريل)، أن هذه الانتكاسة قد تكون طويلة المدى.

وسأحاول أن أبين أن بعضا من هذا الانتكاس مرجعه بعض السياسات الأوروبية ننفي التعامل مع الأزمة المالية التي عصفت بالقارة الأوروبية منذ 2008، خاصة لجوء الاتحاد الأوروبي إلى سياسات حمائية جديدة زادت الأمور تعقيدا، وسياسات نقدية ومصرفية هزت الثقة في البيئة الاستثمارية. وأتناول اليوم السياسات الحمائية على وجه الخصوص.

فخلال الربع الأول من 2013، استمرت الاقتصادات الأوروبية بالانكماش، منذرا بما هو أسوأ، أي انتشار الكساد.

إذ يعرف الخبراء الكساد الاقتصادي بأنه توالي انكماش الناتج المحلي الإجمالي خلال ربعين متواليين.

ووفقا لذلك، فإن هولندا – على سبيل المثال – قد دخلت في الكساد هذا العام، لاحقة بمعظم دول منطقة اليورو، وربما لحقتها مستقبلا بقية الدول. 

أما ألمانيا، كبرى دول أوروبا، فقد تجنبت حتى وقت قريب مصير بقية دول اليورو واستمرت في النمو، ولكن الاقتصاد الألماني انكمش هو الآخر في الربع الأول، كما انكمش الاقتصاد في بليجكا، وفرنسا ولوكسمبورج والنمسا والسويد وفنلندا.

وإذا استمر هذا الانكماش في الربع الثاني فإن هذه الدول ستدخل في دورة الكساد، كبقية الدول الأعضاء.

وتشير الاضطرابات العمالية في إسبانيا هذه الأيام إلى عمق الركود الاقتصادي فيها، حيث تجاوز المعدل الرسمي للبطالة الشهر الماضي (27%)، وهو أسوأ معدل للبطالة منذ عقود، ومثلها حتى الآن اليونان وقبرص.

وإذا دخلت ألمانيا في دورة الكساد – كما هو متوقع – فإن بقية أوروبا ستشعر بآلامه، وبل ستصيب آثاره الاقتصاد العالمي كذلك، فالاتحاد الأوروبي أكبر كتلة تجارية، وثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وانخفاض الطلب الأوروبي على السلع سيؤثر سلبا على أميركا وآسيا، كما سيؤثر على مجلس التعاون، حيث يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري له.

ولذلك فإن دخول ألمانيا في دورة الكساد سيؤدي إلى تأخير الانتعاش الاقتصادي في العالم، مما سيكون له تأثير ملموس على الطلب على الطاقة، وبالتالي على أسعار النفط ودخل دول مجلس التعاون.

وأحد أسباب الانحسار اقتصاد ألمانيا هو انخفاض صادراتها، فألمانيا ليست أكبر اقتصاد أوروبي فحسب، بل أكبر دولة مصدرة هناك.

وقد سبق الانحسار الاقتصادي الألماني أشهر من تدهور الإنتاج الصناعي، وذلك بسبب انخفاض الطلب المحلي والخارجي على السلع والمنتجات الألمانية عالية الجودة والسعر، مثل السيارات الفخمة والأجهزة المعمرة، ومعدات الإنشاء، وكلها تتميز بحساسيتها للركود الاقتصادي، حيث ينخفض الطلب عليها مع استمرار ذلك الركود.

ولذلك فإن أحد السبل الممكنة لعلاج الركود الاقتصادي الأوروبي يكمن في تشجيع التجارة مع الدول والكتل الاقتصادية الأخرى، مثل مجلس التعاون.

ولكن بدلاً من ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يقوم بعكس ذلك تماما، عن طريق اتخاذ إجراءات معاكسة لها تأثير سلبي على التجارة الخارجية.

ولنأخذ كمثال مجلس التعاون. صحيح أن الاتحاد الأوروبي ما زال الشريك التجاري الأول للمجلس، ولكن حصته من الحجم الإجمالي للتجارة الخليجية في انخفاض مستمر.

ولتوضيح ذلك لنقارن حصتي الاتحاد الأوروبي والصين في تجارة دول المجلس على مدى العقدين الماضيين. ففي 1991، كانت التجارة مع الاتحاد الأوروبي تمثل نسبة (24%) من تجارة المجلس، ولكن ذلك انخفض بعد عشرين عاما إلى النصف تقريبا.

وبالعكس من ذلك، كانت حصة الصين في عام 1991 نحو (1.5%) من إجمالي تجارة المجلس، ولكنها تضاعفت أكثر من ست مرات خلال عشرين عاما، لتتجاوز 10% في 2011.

وإذا استمرت هذه التوجهات، فإن الصين قد تتجاوز الاتحاد الأوروبي خلال العقد الحالي وتصبح الشريك التجاري الأول لمجلس التعاون، بل إن اليابان والهند قد تتجاوزان حصته كذلك.

وقد اتخذ الاتحاد الأووربي سياسة حمائية واضحة في تجارته مع دول المجلس، استجابة لضغوط من منتجي البتروكيماويات وغيرهم من جماعات الضغط الصناعية التي تخشى على صناعاتها القديمة من المنافسة من دول المجلس التي تتمتع بإمكانات أحدث وأكثر كفاءة.

وخلال مفاوضات التجارة الحرة بين الجانبين، طالب الاتحاد الأوروبي بعدة إجراءات للحد من المنافسة، ومنذ 2009،فقد توقفت المفاوضات التجارة بينهما بسبب إصرار الجانب الأوروبي على وضع قيود على حق دول المجلس في فرض "رسوم الصادرات" عندما تدعو الحاجة، وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية.

ومن جهة أخرى، قام الاتحاد الأوروبي مؤخرا بمراجعة "نظام الأفضليات" الذي يقضي بتخفيض الرسوم الجمركية على وارداته من (176) دولة.

ووفقا للمراجعة الأخرية، سيقوم الاتحاد بإلغاء تلك الأفضليات الممنوحة لمعظم تلك الدول، بما في ذلك دول مجلس التعاون، مما سيرفع الرسوم الجمركية على الواردات القادمة منها، وبالتالي الحد من تنافسيتها في الأسواق الأوروبية.

فابتداء من يناير 2014، سيقتصر نظام الأفضليات الأوروبي على نحو (80) دولة.

وهذه الإجراءات، بالإضافة إلى ما يسمى بالسياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي، طرق مختلفة للحد من منافسة صادرات الدول الأخرى.

ولكن هذه السياسات الحمائية سيكون لها تأثير سلبي على تجارة الاتحاد الأوروبي، خاصة حينما تلجأ الدول الأخرى إلى اتخاذ إجراءات دفاعية وترفع رسومها الجمركية أمام صادرات أوروبا، وانخفاض الصادرات الأوروبية – كما أسلفت – هو أحد أسباب استمرار الركود الاقتصادي في أوروبا.

نقلا عن جريدة الوطن