في الثامن من إبريل الحالي رحلت مارغريت ثاتشر رئيس وزراء بريطانيا التي زاملت الرئيس رونالد ريغان فترة حكمه. وكان كلاهما مثيرًا للجدل في سياساته الاقتصادية المتوحشة، ومن عجائب الصدف أن كليهما أصيب بمرض الزهايمر "الخرف" وكأن تشابه النهايات بين ريغان وثاتشر يحاكي تماثل البدايات.
يذكرنا البروفسور رانديل ري بتوجهاتهما السياسية ورفعهما لوتيرة الخصخصة وتقليل الأنظمة الرقابية. وهي توجهات جعلت البروفسور رانديل ري، يرجع أسباب أزمة 2008م إليها لأن ثاتشر وريغان قللا الأنظمة الرقابية على الأسواق والمصارف والاقتصاد إلى أقصى مدى ممكن، وأطلقا حريات هائلة للجماعات المتفلتة التي لا يحكمها أي وازع قانوني أو أخلاقي وهي بدورها مضت تتلاعب بالأسواق وترفع في الأسهم وتخفض وتبيع وتشتري على نهج (الهوامير)، واتبع البعض أساليب أشبه بممارسات العصابات المنظمة.
وللمفارقة كان نقد تلك الأساليب مدعاة للسخرية لأن هؤلاء يقولون إنهم إنما يعملون في ظل حرية الاقتصاد ووفق أنظمة السوق وكأن الأنظمة امتداد لمخالفاتهم وهكذا تهيبهم كل من حاول أن يصوب أساليبهم، خشية اتهامه بأنه يرغب بوضع العصا في دواليب الاقتصاد الوطني ليتعثر ويتراجع ويسقط، وقد تلصق به تهمة كبح حرية السوق والمبادرات الفردية.
تلك حقبة تؤكد أن الرأسمالية في أيام ريغان وثاتشر أعطت الدليل المادي بأنه بقدر ما تقلل الأنظمة الرقابية بقدر ما تسمح بالفساد للتغلغل وتجاوز الأنظمة.
السيد لاري سمرس كان في دعمه لهذه الفترة يبتعد عن الواقع الاقتصادي لأنه افترض أن (الأنظمة) لا تضبط السلوك المالي، وإنما الرقابة الذاتية من يصحح المخالفات وهي مبررات استخدمها المحتالون للثراء وعمقوا بها ثقافة الكسب السريع واستخدام الطرق الملتوية.
وشجع الإفلات من العقاب محتالون جدد بدخول السوق، لا عجب أن استيقظت الاقتصاديات على أزمة 2008م. هناك بعد يجب ألا يغيب عنا وهو أن التقليل من الأنظمة الرقابية حقق عكس مقاصده لأنه قوّى من سطوة المال وكرّس لثقافة أثرت في تفكير المشرعين وفي قادة كألن جرينس بأن الذي علق على (الفقاعة التقنية)، متسائلًا من أنا حتى أخالف رأي مئات الآلاف من الذين يعرفون مصلحتهم.
إن شعار الأسواق تعرف أفضل يبدو هشًا ومخادعًا لأنه ثبت أن 20% من القيمة المضافة في الاقتصاد الأمريكي تذهب إلى جيوب المصارف الكبرى وأن 40% من أرباح الشركات الأمريكية تذهب لسوق وول ستريت وحده وهذه أرقام تطعن في صحة أن السوق يعرف أفضل لأن تأثير هذا الدخل يثير الأسئلة حول وعي السوق ووعي أعضاء الكونغرس وعدم التدخل، وما إذا كانت توجد شبهة ارتباط بين المال وسطوة شركاته؟ إنه سؤال للتأمل في تركة تاتشر وريغان؟!