كيف نزيد أزمة الإسكان تعقيداً؟

02/04/2013 3
خالد البواردي

لقد تم إعداد استراتيجية للإسكان، وأُنشئت وزارة للإسكان، وتم تعريف المشكلة ووضع لها حلول، لكن بدلاً من أن نبدأ بالحلول بدأنا بصب الزيت على النار، وبدلاً من أن نحل أزمة الإسكان زدناها تعقيداً، وبدلاً من أن نساعد المواطن ساعدنا التاجر ومحتكر الأراضي.

الجميع يعلم أن أهم سبب لمشكلة الإسكان هو ارتفاع أسعار الأراضي، الذي تسبب به الاحتكار والمضاربات،وهذا ما نصت عليه استراتيجية الإسكان التي أعدها مكتب استشاري عالمي بالتعاون مع وزارة الإسكان.

استراتيجية الإسكان نصت على أنه لا يمكن حل أزمة الإسكان بدون كسر احتكار الأراضي وزيادة المعروض منها ومنع المضاربات، وذلك بفرض رسوم خدمات وفرض ضرائب على الأراضي البيضاء، ونزع الملكيات للمصلحة العامة،وإجبار الملاك على التطوير.. بل إن أهداف استراتيجية الإسكان كما ذُكرَت في صفحة 61 من الاستراتيجية هي: زيادة المعروض من المساكن معقولة التكلفة، تحقيق الفائدة القصوى من الأراضي الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن، إعادة تأهيل وصيانة المخزون الحالي من المساكن، فرض رسوم على الأراضي البيضاء أو نزع ملكيتها، نظام ضوابط الأراضي والإيجارات، ضوابط استخدام الأراضي وحوافز تشجيعية لتطوير الأراضي، وسياسات مناهضة للاحتفاظ بالأراضي.

ورغم أن هذه الأهداف المذكورة هي الحلول الحقيقية لأزمة الإسكان إلا أننا نجد أن البوصلة تتجه بعيداً بوزارة الإسكان إلى تحقيق عكس هذه الأهداف؛ لتزيد أزمة الإسكان تعقيداً. وبدلاً من أن نضع قرارات تساعد المواطن على إيجاد سكن كما نصت الاستراتيجية أصبحت القرارات تخدم التجار والمحتكرين.

وأقرب مثال على ذلك: إقرار نظام الرهن العقاري ونظام القرض الإضافي ورفع مبلغ القرض العقاري؛ فهذه القرارات،في ظل ارتفاع الأسعار الحالي، تخدم التجار لا المواطنين، بينما لو كانت الأسعار في وضعها الطبيعي فإن هذه القرارات ستخدم المواطن والتاجر على حدٍّ سواء. هذه القرارات تزيد من السيولة، وتزيد من ثقة المضاربين والمحتكرين في السوق؛ ما يعني زيادة الأسعار، كما أنها تزيد من انتفاخ الفقاعة العقارية، التي إذا ما انفجرت - وهي لا بد أن تنفجر - فسيتضرر منها الجميع.

إضافة إلى أن هذه القرارات تزيد من القدرة الشرائية الوهمية للمواطن؛ حيث إنها تسمح له بالحصول على قرض أكبر من قدرته؛ ما يعني دخوله في نفق مظلم من القروض، يزيد طوله على عشرين عاماً! وهذا يعني استقطاع ما يزيد على 40 % من دخل المواطن لمدة عشرين سنة لصالح البنك.

ولك أن تتخيل كيف سيعيش مواطن عندما تُستقطع هذه النسبة الكبيرة من دخله في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

العبرة بالنتائج كما يقال، ولغة الأرقام لا تكذب.. أسعار العقار ارتفعت 300 % في السنوات الخمس الأخيرة، وارتفع الإيجار بنسبة 100 %، ولا توجد بوادر لانفراج الأزمة.. ألا تكفي هذه النتائج لمراجعة حلول وزارة الإسكان؟

وكالة بلومبيرغ العالمية ذكرت في تقرير لها الأسبوع الماضي - مع تحفظي على بعض المغالطات في التقرير -نقلاً عن مستشار في وزارة الإسكان السعودية أن «الأراضي البيضاء تهدد بفشل مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية». كما نقلت عن المستشار قوله إن الأراضي البيضاء الممنوحة داخل المدن اضطرت الوزارة إلى البناء في الصحراء، التي لا يوجد بها بنية تحتية، وهذا مكلف وغير مستدام.

كما أضاف التقرير بأن أسعار الأراضي تضخمت؛ ما سيجعل حل أزمة الإسكان مكلفاً جداً. انتهى. بناء 500 ألف وحدة، على افتراض نجاح المشروع، أو زيادة القروض، لن يحل أزمة الإسكان، ويجب أن تركز وزارة الإسكان على حل المشكلة وزيادة المعروض من الأراضي والمساكن، وتخفيض أسعارها، وليس فقط البناء. البناء جزء يسير من عمل الوزارة ومن حل المشكلة، ويجب أن يوكل لإدارة مشاريع، وأن يتفرغ الوزير وفريق العمل لتحقيق أهداف الوزارة لحل الأزمة جذرياً.

عندما تقرأ استراتيجية الإسكان، وترى ما يتم تطبيقه على أرض الواقع من قرارات تزيد من الأزمة، وعندما تقرأ التقارير التي تفيد بأنه لا يوجد حل لهذه الأزمة، لا على المدى القريب، ولا البعيد، رغم الميزانية التريليونية، ورغم إنشاء وزارة إسكان، فإنك تتساءل: أين الجهات المسؤولة من هذه القرارات التي زادت أزمة الإسكان تعقيداً؟ وهل يعقل أن نسمح لمحتكري الأراضي، الذين لا يزيد عددهم على ألف محتكر، أن يتسببوا في أزمة لعشرين مليون مواطن؟

ختاماً.. أتساءل: متى سيتم حل أزمة الإسكان وكيف؟ فهل لدى أي من الوزارات ذات العلاقة جواب؟ وللمعلومية،لم تتم الإجابة عن هذا السؤال من أي مسؤول إلى الآن، ولا أعتقد أن أحداً يملك الإجابة.. وهنا المأساة.