كيف يمكن العثور على محركات الفجوة التنموية الأمريكية؟ هذا سؤال "هاجس ومركزي" وأمريكا تعتبر مقياس حرارة العالم، وما يحدث فيها يؤثر سلبًا أو إيجابًا على الكل.. لذا من يريد أن يعثر على محركات تلك الفجوة في أمريكا أو الاقتصاديات المشابهة فهو مطالب بإلقاء نظرة فاحصة في تقرير عوائد الضرائب الأمريكية لأن الدخل الحقيقي لم يزد من عام 1966 إلى 2011، وهي فترة تخطت عتبة الـ45 عامًا، ولك أن تتأمل أن التغيير خلال هذه الفترة المتطاولة لم يطل عوائد ضرائب الدخول الأمريكية في الزيادة إلاّ بما يعادل نحوًا من 59 دولارًا أمريكيًّا والرقم يعتبر هامشيًّا لكنه يجسد بطء التغيير ليس في نسبة الضرائب على الدخول فحسب لكن بتأثيرها أيضًا في إحداث فجوة أو عدم زيادة في دخل الأغلبية السكانية.
لا عجب أن ظلت دخول 90% من الأمريكيين باقية في حالة ثبات دون أي تغيير يذكر وخاصة في الأجر وساعة العمل الحقيقي أيضًا ظلت كما هي وللمفارقة ارتفعت دخول 10% من المجتمع الأمريكي 6 أضعاف أو أكثر خلال نفس المدة، وهو ما يعني أن درجة من الفجوة التنموية تتسع بصورة مستمرة، وأن الاقتصاد الأمريكي يعاني من خلل تنموي يجسده هذا التباين المقلق في توزيع دخول الأفراد.
ومن الواضح أنه خلال الأربعة عقود ونيف هذه، ظلت السياسات المالية تخدم فقط 10% من المجتمع الأمريكي وتضاعف من فرص زيادة ثرواتهم بينما الأغلبية الباقية تلهث وتركض للحفاظ على وضعها كما هو. ورغم أن الاقتصاد الخليجي عمومًا لا يعاني ظاهرة التباين التنموي الحاد لكن الظاهرة من حيث هي تثير اهتمام الاقتصاديين خشية أن يعود التباين التنموي على الأفراد بالضرر وعلى أي اقتصاد مرتبط بسياسات اقتصادية ذات توجهات رأسمالية بعدم الاستقرار واليقين.
وهو ما يطرح سؤالاً مشروعًا حول هل تتبادل العملات أعراض أمراض الاقتصاد وخاصة أمراض الاقتصاديات الكبرى التي تقرر السياسات النقدية وتؤثر فيها؟ ومن الناحية الأخرى هل الاقتصاد الخليجي يستورد السياسات النقدية الأمريكية؟ هذه الأسئلة تثيرها الصلة بين العملات الخليجية والدولار والسياسات ذات الصلة بينهما.
العملة الخليجية ترتبط بالدولار، ولكن كونها كذلك يعني هذا ضرورة أن تكون حرة الحركة لمنع أي آثار سلبية لعلاقتها بالدولار، وفي نفس الوقت أن تكون الفائدة عليها مثبتة مع أن الاقتصاديين يقولون إن ثلاثة لا تجتمع في أي اقتصاد، أي استحالة أن تجتمع في اقتصاد واحد، والثلاثة هي "عملة مربوطة، ورأسمال حر الحركة، وسياسات نقدية مستقلة"، هذه الثلاثية لا تجتمع ولا يمكن تطبيقها على السياسات النقدية في معظم البلدان ومنها المملكة.
إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار سيجلب أعراض مرض الاقتصاد الأمريكي، وسنجد استحالة في الانفراد بسياسات نقدية مستقلة بالكامل عن الدولار، وسيكون هناك تأثير يستلف السياسات المالية الأمريكية التي أحدثت الفجوة التنموية في المجتمع الأمريكي، وقلما أفادت من هم في خارج بيئة الاقتصاد الأمريكي.
على أن ما يهمنا الآن وعبر هذا الطرح هو التأمل في أثر السياسات النقدية الأمريكية خلال خمسة وأربعين عامًا، وإفرازاتها من تعميق في الفجوة التنموية وفي مفارقات دخول الأفراد هناك لكي لا نستورد هذه السياسات دون قراءة واعية لآثارها على الأفراد والطبقة الوسطى ومستوى معيشتها وجودة حياتها وتركيز الثروات .
إن تركيز الثروات في أمريكا توضحه حقيقة أن هناك 6 ملايين شركة في الولايات المتحدة الأمريكية لكن 2.600 شركة فقط تملك 80% من الأصول التي تمتلكها الشركات الأمريكية وهي نسبة هائلة تمتلكها أقلية من الشركات، وإذا كانت هذه الثروات تستحوذ عليها فئة ضئيلة من الشركات الأمريكية فإن أخطر ما في الأمر نموها بمعدل يضاعف من ثرواتها.
ومع ذلك يبث (الليبراليون الجدد) توجهات ظلت تقلل من الأنظمة الرقابية وتبشر بالخصخصة، وتقيد التشريعات الجديدة ممّا ينتهي بالأمور إلى تركيز الثروات في شركات بعينها وفي أيدٍ محدودة.
100% فيما يتعلق بمشكلة استيرادنا لمشاكل الاقتصاد الامريكي .. ولا بد من التقليل من ذلك على الأقل بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الريال. اما "الليبراليون" في امريكا فهم بالمجمل مع التقنين ووضع انظمة واكثر ميل للاشتراكية بعكس المحافظين اللي يميلون للسوق الحر وترك السوق يرتب كل شيء بكفاءة أفضل. (مع انه بالنهاية كلهم مع التدخل الحكومي بالسياسات النقدية فلا احد منهم مع السوق الحر بالمعنى الحقيقي للمصطلح)