الركض خلف السراب

26/03/2013 0
سعيد بن زقر

البطالة حقيقة أم وهم أم اختيار ناتج عن عدم البحث الجدي في أسبابها وطرق معالجاتها؟والأسئلة الهاجس تلك حفر اقتصاديان كبيران هما كينز وكاليكيان عميقاً فيها للوصول الى قلب متاهتها وتوصلا لاستنتاج اقتصادي مثير عن محركاتها لدرجة أنهما يعتقدان بأنها مجرد (اختيار سياسي من قبل الحكومة) وهو اختيار ينتج عن الربط بين الانفاق الحكومي ودرجة الالتزام بالسياسات التقشفية التي تهدف الى تحويل الدين من القطاع العام إلى القطاع الخاص وفي أدنى حد ممكن من العجز

وقطعا مثل هكذا ربط سينعكس على الأفراد وعلى الديون المستحقة للمصارف مما يدعو العامل العادي للإذعان والرضا بأقل أجر يتقاضاه وإلا فإن مصيره الجلوس فى "كنبة البطالة "لذا ليس متوقعاً أن يطالب بزيادة أجره مهما تأزم وضعه المالي وزادت التزاماته. ذلك لأنه يدرك أنه في وضع اقتصادي خلقته سياسات مالية ستعيد تدوير وإنتاج البطالة بسبب انكماش الطلب على الأيدي العاملة.

لكن على صعيد آخر يوفر "الاختيار السياسي" وضعاً لا يلبث أن ينعكس بالزيادة في الدخل الحقيقي للشركات المالكة لأصول الإنتاج وخصوصاً في قطاع المصارف وزيادة أرباحها ولهذا منذ بداية الثمانينات وحتى اليوم ظل (الاختيار السياسي) الأمريكي يصب في صالح الشركات الكبرى وليس في دخل العامل رغم زيادة إنتاجيته وبهذه الوضعية ليس ثمة أفق مستقبلي لزيادة حقيقية في أجر العامل الأمريكي مهما ضاعف من إنتاجيته. على أن عدم الزيادة في الأجور يعني زيادة أرباح هائلة في الشركات والمصارف وهي أرباح مالية ناتجة من استهلاك لا يعكس أرباحا انتاجية بقدرما تجسد أرباحاً ناتجة من استهلاك يصب في مصلحة ملاك المصارف.

إن سياسات التقشف تقود في الغالب إلى سياسات تقليل الأنظمة الرقابية وطرح خيارات خصخصة شركات القطاع العام مثل شركات الاتصالات والكهرباء و النقل ومترو الانفاق والشركات الأخرى وعندما تخصخص هذه الشركات فإن من يشتري اسهمها هو من يحوز على السيولة المالية في تلك اللحظة ومن يمول عملياتها أيضا أصحاب المصالح، على أن ذهاب بعض الأسهم لصغار المستثمرين ما هو إلا ذر للرماد على العيون لأنه في المحصلة النهائية سيظل التأثير والقدرة على اتخاذ القرار التنفيذي في الشركات المخصخصة سيظل في أيدي مالكي المصارف وأصحاب الثروات الأكبر مما يبطل أي مبرر يقول ان سياسات التقشف تخدم القطاع الأعظم من المجتمعات أو تصب خيرا في صالح الاقتصاد المحلي.

ومن الأوهام الاقتصادية التي يحاجج بها مؤيدو السياسات التقشفية أن البطالة دليل على أن الأجور التي تدفع أعلى ولا تتناسب ودخول الشركات وأن علاج ذلك السياسات التقشفية لأنها ستزيد التوظيف من خلال خفض أجور العمالة ولكن السياسات التقشفية عندما طبقت على الأزمات المالية حققت عكس الأغراض المعلنة وأفلست الشرائح الضعيفة ولم تزد التوظيف بل خلقت المزيد من البطالة المرعبة وأصبح من يطبقها كأنما يركض خلف السراب" يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا." وهذه الفئة من الاقتصاديين يسمون (الليبراليون الجدد) وقد ظلت (وصفتهم) الاقتصادية محفوظة وهي: تقليل الأنظمة الرقابية وإطلاق الخصخصة ومن يطبق ذلك فإنه يجرب سياسات أثبتت دائما أنها لا تقود الا لزيادة الديون على القطاع الحكومي وتعميق العجز المالي وتفاقم ظاهرة البطالة ولا تفيد إلا أصحاب الشركات الكبرى وقطاع المصارف.

وفي ظل هذا الحصاد المر، لا أعلم إن كانت "أوهام الليبراليين الجدد "ستظل مقبولة ولا يتعظ من نتائجها، مع أنها أثبتت فشلاً ذريعا في معالجة أزمات البطالة والأزمات الاقتصادية وهي ربما تقف خلف كل أزمة ارتبطت بتطبيقات طرح (الليبراليين الجدد).