هل هناك تضخم بالمعنى الحقيقي في السعودية؟

13/03/2013 12
د. وحيد بن عبدالرحمن بانافع

التضخم يعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

فالجميع قد ناله ما ناله من ارتفاع الأسعار، فقد امتد أثر التضخم إلى الحياة الاجتماعية، حيث تفكك الرابط الاجتماعي بين بعض الأسر نتيحة لعدم قدرة البعض على تحمل أعباء الحياة، فزاد نتيجة لذلك معدل الطلاق والجريمة. ولقد سارعت الدول لإيجاد حل لكبح جماح هذه المعضلة (التضخم) إما باستخدام السياسات المالية أو النقدية، ولكن إلى وقتنا الحالي لم يجد الاقتصاديون الحل المثالي في كبح جماح التضخم بالصورة التي يرتضونها.

فالشعوب دائما ما تلقي باللوم على حكوماتها وتطالبها بالتدخل السريع لحل مشاكلها، ولكن قد يؤدي تدخل الحكومات إلى تعاظم المشكلة، فمثلا إذا تدخلت وزارة المالية وخفضت الإنفاق الحكومي، فإن ذلك سيؤثر في النمو الاقتصادي ويبطئ عجلة التنمية، حيث إن الانخفاض في الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي باعتباره أحد مكوناته، وكنتيجة لذلك فإن الناتج (الدخل) المحلي سينخفض ويقود الاقتصاد إلى مرحلة الركود. فبالتالي سنكون كالذي يدور حول نفسه، نعالج شيء على حساب شيء آخر.

باعتبار أن ظاهرة التضخم أصبحت تهم جميع شرائح المجتمع وليست مقتصرة على فئة دون أخرى، فإعطاء نبذة بسيطة عن مسبباته يعتبر أمرا في غاية الأهمية. فعندما يكون الاقتصاد في حالة التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج،فإن الزيادة في الطلب الكلي ستؤدي إلى ارتفاع مستوى التضخم (Demand-Push Inflation) .

فعلى سبيل المثال الزيادة في إنفاق الأسر(الإنفاق العائلي) والذي يعتبر أحد مكونات الطلب الكلي سيؤدي إلى رفع مستوى التضخم لأن الطاقة الإنتاجية للاقتصاد تعتبر محدودة ولا تستطيع احتواء هذه الزيادة.

أيضا من الممكن أن يعزى التضخم إلى جانب العرض (Cost-Push Inflation )، وعادة ما يرتبط مثل هذا النوع من التضخم بارتفاع أسعار المواد الأولية، ارتفاع تكلفة رأس المال، ارتفاع تكاليف النقل، الاحتكار بمختلف أنواعه،تدخل الدولة بوضع حد أدنى للأجور.

كذلك عدم عمل آلية السوق بالشكل الصحيح قد يؤدي إلى حدوث تضخم يطلق عليه التضخم الهيكلي (Structural Inflation). فليس هناك نوع من المرونة في كل من الأجور والأسعار، حيث إمكانية انخفاضها تكاد تكون مستحيلة. كذلك أسعار المنتجات لا تخضع لقوى العرض والطلب وإنما تحدد، وفقا لتكاليف الإنتاج وإضافة هامش الربح، وبالتالي فإن الأسعار لا تكون قابلة للانخفاض في جميع الأحوال.

فليس من المنطق مطالبة الدولة وحدها في التعامل مع مشكلة التضخم وإيجاد حلول لها دون مساهمة المستهلك في ذلك. فمن هنا يأتي الدور التكاملي بين الدولة والمستهلك في العمل على تخفيف أثر التضخم،حيث يمكن للمستهلك المساهمة في تعديل الخلل في الاقتصاد الناجم عن التضخم عن طريق تطبيق مفهوم العقلانية في اتخاذ القرارات (Rational decisions) .

فلو ضيقنا دائرة النقاش وركزنا على المملكة، فإنه يتطلب علينا الإجابة على الأسئلة التالية بكل شفافية وموضوعية:

  هل المملكة فعلا يوجد بها تضخم حقيقي والذي يكون عنده الاقتصاد قد وصل إلى التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج؟

  هل توجد مرونة في سياسات المستهلك الاستهلاكية؟

  هل توجد مرونة في الهامش الربحي الذي يطمح المنتج لتحقيقه؟

  هل يجب على الدولة التدخل في كل مرة لتصحيح الوضع الاقتصادي؟

فعند النظر إلى التضخم في المملكة نجد أنه قد يندرج تحت التضخم غير الحقيقي، ويحدث عندما ترتفع أسعار السلع والخدمات قبل أن يصل الاقتصاد إلى التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج، ولكن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالشكل الذي يجعلها لا تعكس القيمة الحقيقية للسلع والخدمات.

كذلك التضخم المستورد ويحدث عند ارتفاع الأسعار في الأسواق الخارجية التي تعتمد عليها الدولة في وارداتها،فبالنظر إلى النوع الأول نجد أن المملكة لم تصل إلى المستوى الذي نستطيع أن نطلق عليه التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج، حيث هناك وفرة في الأيدي العاملة ورأس المال. وبالتالي، فإن الزيادة في الطلب الفعلي على السلع والخدمات (يفترض) أن يصاحبها ارتفاع في مستوى الأسعار.

هذه الزيادة في الأسعار تعتبر الثمن الذي يدفعه المجتمع نظير الحصول على المزيد من السلع والخدمات. ولكن لعدم توافر المرونة في سلوك المستهلك نرى أن الأسعار ترتفع بشكل مبالغ فيه نتيجة لإصرار المستهلك على سلعة بعينها وإغفال جانب البدائل.

كذلك الحال بالنسبة للمنتجين فليس لديهم المرونة في تخفيض هامش أرباحهم. على سبيل المثال شركات الألبان في المملكة كانت تهدف إلى رفع أسعارها مجاراة للارتفاع الذي حصل في المواد الأولية المستوردة من الخارج.

ولكن اتضح من بعض التقارير التي نشرت حول تأثير الزيادة في أسعار المواد الأولية على إنتاج هذه الشركات بأن الهوامش الربحية لم تتأثر بالشكل الكبير الذي يدعو هذه الشركات بالمطالبة برفع أسعار منتجاتها. ومن هنا يأتي دور الدولة في التدخل الإيجابي في الاقتصاد لمنع مثل هذه التجاوزات التي قد تؤدي إلى تدهور الاقتصاد، حيث كان هذا التدخل واضحا من خلال تدخل وزارة التجارة بمنع شركات الألبان من زيادة أسعار منتجاتها.

مما سبق نستطيع أن نصل إلى حقيقة أن التضخم الحقيقي لا وجود له على أرض الواقع في المملكة العربية السعودية، ولكن في المقابل لا نستطيع أن نقول إن التضخم غير الحقيقي هو السائد في الوقت الحالي لتوفر عناصر الإنتاج، نظرا لدخول بعض العوامل التي جعلت الزيادة في الأسعار لا تعكس الثمن الذي يدفعه المجتمع نظير الحصول على المزيد من السلع والخدمات.

فلو أخذنا سوق العقار كمثال، فإن الزيادة في أسعار الأراضي لا تعكس واقع الحال، حيث إن الزيادة في أسعارها لا تعكس الثمن الحقيقي الذي يجب أن يدفعه المشتري نظير الزيادة في الطلب عليها. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل،أهم عامل يتلخص في البائعين (الهوامير) فهم يهدفون إلى تعظيم أرباحهم بوضع هوامش أرباح عالية وبالتالي إضافة هذه الهوامش الربحية إلى تكلفة الأرض.

أيضا هناك نوع من عدم المرونة في تخفيض هذه الهوامش الربحية بحيث إن انخفاض الطلب على الأراضي قد لا يؤثر في الأسعار بالانخفاض. ومن هنا نستطيع أن نقول إن آلية السوق لا تعمل بالشكل الذي يضمن تحقيق التوازن بسوق العقار.

العامل الثاني يتمثل في جانب الطلب والذي يمثله المشترون، ويمكن تلخيص هذا العامل في عدد من النقاط:

أولا: إن أغلب الناس لم يعد يرى سوق الأسهم بأنه المكان الأمثل لاستثمار أموالهم، نظرا لارتفاع مستوى المخاطرة، وبالتالي توجهوا إلى سوق العقار لانخفاض مستوى المخاطرة في هذا النوع من الاستثمار.

ثانيا: فئة الشباب تمثل شريحة كبيرة في المجتمع السعودي وبالتالي يخلق ذلك طلبا متزايدا على الأراضي والعقار.

وأخيرا، النمو الاقتصادي الذي تعيشه المملكة في هذه المرحلة من الممكن أن يكون أحد الأسباب المؤدية إلى ارتفاع أسعار الأراضي. كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى زيادة كبيرة في الطلب الكلي على الأراضي، وكانت النتيجة ارتفاع الأسعار بالشكل الذي هي عليه هذه الأيام.