هل الانخفاض الحاد في أسعار النفط يعد مؤشر سيئ للاقتصاد السعودي؟

29/05/2022 1
د. وحيد بن عبدالرحمن بانافع

يدور في أذهان الكثير من الناس أن الانخفاض في أسعار النفط يعد مؤشرًا سلبيًا للاقتصاد السعودي في جميع الأحوال، باعتبار أن الاقتصاد السعودي يعتمد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات العامة، وبالتالي يعد الانخفاض في أسعار النفط مؤشر سيئ على الإيرادات العامة وبالتالي النمو الاقتصادي. ولكن السؤال هنا هل بالضرورة صدمات النفط الكبرى السلبية Large negative oil shocks تؤثر سلباً على الاقتصاد السعودي أم العكس من ذلك؟

وللإجابة على هذا التساؤل يجب التمييز بين مفهومي الصدمات (Shocks) والتغيرات(Changes) في أسعار النفط على الاقتصاد السعودي. حيث أن الصدمات الكبرى (Shocks) تشير إلى الانخفاضات أو الارتفاعات الحاده في أسعار النفط مثل ما حدث في الأعوام (1986, 2008, & 2014)، وهي بخلاف مفهوم التغيرات (Changes) في أسعار النفط والتي تعني سلسلة من الارتفاعات والانخفاضات الصغيرة في أسعار النفط.

فلا شك في أن الارتفاعات الصغيرة في أسعار النفط سوف تؤثر بشكل إيجابي على الإيرادات العامة للدولة، وبالتالي على الانفاق الحكومي والنمو الاقتصادي، وعكس ذلك فيما يتعلق بالانخفاضات الصغيرة. وأثبتت ذلك العديد من الدراسات الاقتصادية، ولكن اعتقد أن الوضع يختلف عند الحديث عن صدمات النفط الكبرى السلبية.

ولعل ما سأطرحه هنا سيخالف آراء الكثير منكم، فأرى أن صدمات النفط الكبرى السلبية Large Negative oil shocks لها تأثير إيجابي على الاقتصاد السعودي. ففي حالة وجود انخفاض حاد في سعر النفط، فان أثر هذا الانخفاض لا يحدث بشكل آني وإنما يتطلب بعض الوقت للوصول إلى الأثر النهائي له، وذلك يرجع لعدة أسباب والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولًا: الطلب المستقبلي على النفط

يعتبر الانخفاض الحاد في أسعار النفط محفز رئيس للطلب على النفط وخصوصًا من دول الاقتصادات الناشئة (Emerging Economies) مثل الصين والهند باعتبارهما من أكثر الدول المستوردة للنفط. أيضًا تستفيد بعض الدول المتقدمة (Advanced Economies) مثل أمريكا في تعبئة احتياطاتها الاستراتيجية من النفط على اعتبار أن الانهيار الحاد في النفط لا يتكرر بشكل منتظم.

فعلى سبيل المثال، عند انخفاض سعر النفط تقريبًا من 115 دولار في الربع الثالث من عام 2008 إلى تقريباً 55 دولار في الربع الرابع من نفس العام (بنسبة انخفاض حوالي 51%). فإن هذا الانخفاض الحاد لا يحدث بشكل مستمر، وبالتالي تعتبر فرصة كبرى للدول المستوردة للنفط لكي تستفيد من هذا الانخفاض الحاد. فالدول المستوردة للنفط كانت تستورد النفط عند سعر 115 دولار للبرميل، وبالتالي فإن الانخفاض الحاد في سعره يعد خيارًا مفضلًا لهذه الدول لزيادة طلبها على النفط إما لتعبئة احتياطاتها الاستراتيجية أو لدفع عجلة التنمية فيها (رغم طبيعة المرونة السعرية للطلب على النفط المنخفضة). وهنا لا أتكلم عن الأثر الفوري لهذا الانخفاض الحاد، ولكن الأثر النهائي له، فالرجوع الى أسعار ما قبل الصدمة الحادة قد يأخذ بعض الوقت كما هو واضح في الرسم البياني التالي:

 

 

فأسعار النفط بدأت في الرجوع إلى أسعار ما قبل الصدمة في الربع الثاني من عام 2011م. كذلك الحال في الانخفاض الحاد في سعر النفط في الربع الرابع من عام 2014م من 102 دولار تقريبًا إلى 75 دولار في الربع الأول من عام 2015م (بنسبة انخفاض تقريبًا 25%). واستمر سعر النفط منخفضًا مقارنة بما قبل سعر الصدمة إلى الربع الرابع من العام 2021م كما هو موضح بالرسم البياني التالي:

 

 

يلاحظ أنه في الربع الثالث من عام 2020م انخفضت أسعار النفط إلى 31 دولار للبرميل مقارنة بسعر 50 دولار في الربع الثاني من نفس العام، ولكن ارتفع السعر في الربع الرابع من العام 2020م إلى 42 دولار للبرميل، وذلك يرجع بشكل كبير إلى جائحة فايروس كورونا والذي أثر بشكل آني على جميع اقتصاديات العالم بدون استثناء، وبالتالي نصل إلى حقيقة أن صدمات النفط الحادة المنخفضة تحفز الطلب العالمي، وبالتالي يعود ذلك بأثر إيجابي على الإيرادات العامة والتي تنعكس بشكل إيجابي أيضًا على النمو الاقتصادي. فخلال هذه الفترة زاد الطلب على النفط من الصين ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD (ماعدا صدمة 2020م باعتبار تأثير جائحة كورونا على جميع الأنشطة الاقتصادية في جميع بلدان العالم).

ثانيًا: الانخفاض الحاد في أسعار النفط يعد من أبرز العوائق أمام الاستمرار في إنتاج الطاقة البديلة، وذلك لارتفاع أسعارها نسبياً مقارنة بأسعار النفط بعد الصدمة. وبالتالي يضمن للمملكة الاستمرارية في الاعتماد على النفط كأحد أهم مصادر الإيرادات العامة في الأجل الطويل، باعتبار أننا نتكلم عن الأثر النهائي لهذا الانخفاض الحاد وليس الآني.

ثالثًا: قدرة المملكة على الاستمرار كأحد المصدرين الرئيسيين للنفط في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تكلفة الإنتاج المنخفضة مقارنة بباقي منافسيها حول العالم.

 

 

خاص_الفابيتا