شركة استثمار لكل 10960 كويتيا .. أعلى معدل في الخليج

07/02/2010 3
مارون بدران

100 شركة استثمار في الكويت. رقم اعتاد أن يذكره المنتقدون لقطاع الاستثمار ورقم اعتاد أن يدافع عنه أصحاب الشأن المنادين بالحرية الاقتصادية بأي ثمن. انه فعلا رقم مثير للجدل، خصوصا اذا ما قورن بأرقام دول الخليج المجاورة التي شهدت الطفرة النفطية والمالية نفسها التي شهدتها الكويت بين 2004 و2008. ففي دول مجلس التعاون الخمس البقية مجتمعة 90 شركة استثمار وتمويل فقط لا غير. أي أن عدد شركات الاستثمار والتمويل المحلية أكثر بعشر شركات. فالسعودية، أكبر اقتصاد عربي، لا تضم سوى 10 شركات استثمار فقط. وفي الامارات 19 شركة محلية فقط مقابل 29 شركة في عمان و27 شركة في البحرين و5 شركات فقط في قطر. والجدير ذكره أن البحرين ودبي تضمان عشرات الفروع لبنوك استثمارية عربية وأجنبية وعالمية. وقد اتخذت هذه البنوك من المملكة والامارة مقرا لها لخدمة عملائها في منطقة الخليج أو الشرق الاوسط ككل. كما أن بعض شركات الاستثمار المحلية قد أسست كيانات في دول خليج أخرى. لكن ما يعنينا هو عدد شركات الاستثمار والتمويل المحلية في كل دولة خليجية. وقد تم استثناء شركات الصرافة وشركات الوساطة المالية في هذه الدول.

ماذا يعني أن يكون عدد شركات الاستثمار الكويتية أكثر من عدد شركات الاستثمار في دول الخليج مجتمعة؟ في احصائية أعدتها «القبس»، تبيّن أن لكل 10960 فردا كويتيا شركة استثمار. وهو أعلى رقم على الاطلاق في دول التعاون. اذ سجلت البحرين، على الرغم من انفتاح قطاعها المالي منذ عقدين كونها مركزا ومقرا لعشرات البنوك والشركات العالمية، شركة استثمار محلية لكل 16222 مواطنا بحرينيا. في حين كان لكل 48000 قطري شركة استثمار أو تمويل، ولكل 51631 اماراتيا شركة ولكل 67483 عُمانيا شركة ولكل 1.862 مليون مواطن سعودي شركة استثمار. والاحصائية المذكورة تمت على أساس عدد السكان المواطنين فقط، على اعتبار أن الشركات المحلية تأسست من قبلهم ولخدمتهم. فأكثر من 93 % من تداولات أسواق المال الخليجية يسيطر عليها الخليجيون أنفسهم، كما أن الغالبية الساحقة من المحافظ والصناديق مغطاة من قبل مواطني دول التعاون.

اذاً، لكل 10960 كويتيا شركة استثمار هو أعلى معدل في دول الخليج. وقد وصل هذا الرقم الى ما وصل اليه بعد أن تضاعف عدد شركات الاستثمار بين عامي 2004 و2008، عندما فتحت السلطات المختصة باب التراخيص على مصراعيه غير مدركة ولا معترفة أن في الأمر مشكلة ولها وجهة نظر في ذلك. وقد قاد هذا «الانفلات» في القطاع خلال الأعوام القليلة الماضية لتكون شركات الاستثمار اليوم في ظل الأزمة «الحلقة الأضعف» أو «الخاصرة الرخوة» في القطاع المالي الكويتي. فماذا يعني أن تعمل 100 شركة استثمار وتمويل في سوق صغير تردد البنك المركزي فيه أن يفتح باب الترخيص لفروع البنوك الأجنبية 10 سنوات، وعندما فتح الباب أبقاه مغلقا على تعدد الفروع لكل بنك؟

سلبيات التفريخ

تعدد الأوساط الاقتصادية المتابعة لهذه القضية جملة من السلبيات التي رافقت وترافق طفرة شركات الاستثمار في البلاد:

1- تفتيت القطاع لتصبح حصص الشركات من السوق صغيرة. فاللاعبون الكبار لا يتعدى عددهم أصابع اليدين، في حين أن البقية شركات تأسست للاستفادة من طفرة الاكتتابات والادراجات من دون ممارسة عمل فعلي مثل الاستثمار المباشر في المشاريع أو V ادارة الأصول. فالشركات العشر الأولى تسيطر على أكثر من %80 من اجمالي الأصول والأموال المدارة للغير مقابل 90 شركة تتنافس على نسبة %20 الباقية.

2- أدت الطفرة الى ركوب موجة «مع الخيل يا شقرا». فتأسست عشرات الشركات الوهمية، التي كانت «حاضرة ناطرة» في أدراج بعض المؤسسات. فما كانت الا كناية عن ورق عصفت بها رياح الأزمة أول ما عصفت. فأكثر من %50 من شركات الاستثمار المدرجة في السوق يتم تداول أسهمها اليوم تحت القيمة الاسمية للاكتتاب. وبعضها يباع سهمها بأرخص من سعر «كيس تشيبس».

3- لم تدرك السلطات الرقابية عندما فتحت باب التراخيص أن أجهزتها البشرية والفنية أصغر من أن يراقب هذا الكم الهائل من الشركات. فأصبح قطاع الاستثمار أكبر من أن يراقب. وعندما يغيب الرقيب، يستشري الاستسهال والتلاعب. والدليل على ذلك تبخر ثروات مئات الكويتيين وخسارة جنى عمرهم بسبب استثمارهم اما في أسهم تلك الشركات أو في أدوات تلك الشركات من صناديق ومحافظ. يقال هنا أنه خطأ المستثمرين الأفراد أنفسهم. فهم من منحوا ثقتهم لهذه المؤسسات. لكن ما الخطأ في الوثوق بشركات من المفترض أن فوقها رقيب وحسيب مسؤول عن تنظيم القطاع؟ سؤال لم يلق يوما صدى عند أصحاب الشأن.

4- جميع وكالات التصنيف الائتماني العالمية أفادت بأن أكبر خطر على بنوك الكويت هو انكشافها على شركات الاستثمار. فغالبية هذه الشركات استدانت حتى العظم لتشتري أسهما أو عقارات. وأغلب حصصها وملكياتها مرهونة. مما شكل ضغطا على دفاتر البنوك عندما انهارت أسعار الأصول جراء الأزمة. وقطاع من غير «كونترول»، راكم ديونا من دون «كونترول». فشهد تعثرات من العيار الثقيل، ويلزمه سنوات حتى تلتئم جراحه.

5- تفريخ عدد كبير من شركات الاستثمار خلق حاجة ملحة لمديرين. فكان القطاع عرضة لغزو غير المحترفين الذين شوهوا سمعة القطاع المالي. فالتوظيف العشوائي أدى الى ادارة الأموال بشكل عشوائي، فـ«طارت الفلوس» مع هبوب أول ريح.

6- قلة الحرفية والقابلية على التلاعب دفعت ببعض الشركات الى استغلال أموال الغير. فانكسر الجدار الفاصل بين أموال الشركة واستثمارات العملاء، مما أدى الى انهيار الثقة بقطاع شديد الحساسية.

«ضبضبة» القطاع

جملة السلبيات هذه طبعت جبين قطاع فرّخ عشرات الشركات من دون رقيب ولا حسيب. فكان المستثمر هو الضحية في بلاد أحوج الى شركات انتاجية حقيقية. وتجدر الاشارة هنا الى حرفية بعض شركات الاستثمار. فالخبراء العالميون أجمعوا على أن البنوك الاستثمارية بحاجة للأسواق المالية خصوصا اذا أتقنت عملها، مثل الاستشارات في الاستحواذات والاندماجات، وادارة الأصول والاستثمار المباشر في المشاريع. لكن أين شركات الكويت من نموذج الأعمال هذا؟ وما الحلول المقترحة من قبل السلطات لـ«ضبضبة» هذا القطاع؟ تبدو الصورة رمادية، مائلة الى الرمادي. حبذا لو تلعب هيئة سوق المال المقبلة دورها في هذا الموضوع... فالآمال معلقة عليها دون غيرها!