اقترحت اللجنة المالية بمجلس الشورى إنشاء صانع لسوق المال السعودي حتى يضبط حركته ويقلل من حدة التذبذبات ويعيد التوازن بل والعافية للسوق بحيث يكون بمستويات تتناسب وقيمه العادلة على اعتبار أن تقدير الأسعار سيكون بناء على معايير التحليل الأساسي بخلاف توفير الكميات عند الطلب على أي سهم وكذلك التدخل عند تراكم العروض.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه فوراً.. ما هو شكل هذا الصانع ومن سيديره ويمتلكه وكم حجمه ولمن سيضخ رأس المال المقترح له؟ والإجابة على هذه الأسئلة تفترض أن الفكرة صحيحة وتحقق الهدف المنشود ولكن التساؤل الذي يطرحه المتداولون الخاسرون بالسوق وهم الشريحة الأكبر: ما هي جدواه الآن بعد أن أصبحت محافظنا كالبستان الذي تحولت أشجاره الى حطب فقريباً جداً ستمر الذكرى الرابعة على سقوط السوق من أعلى مستوياته قرابة 21 ألف نقطة، ماذا بقي لدينا من أصول او أموال حتى تعيد لنا المقدرة على تنشيط تعاملاتنا بالسوق؟ هذا ما سيتردد على الأغلب من جل المتعاملين بالسوق. وهنا يسألون أعضاء اللجنة المالية بالمجلس أليست تلك التوصية متأخرة جداً؟!
ولكن ما يجب مناقشته حقيقة هو إذا سلمنا بضرورة إيجاد صانع سوق والذي يفترض أن يكون للمستقبل البعيد على اعتبار أن الخسارة التي تكبدها الكثيرون بمعزل عن الأسباب هي حقيقة موجودة بكل الأسواق وبالتالي فكرة الصانع هي لتغيير صيغة ومنطق التعامل مع السوق لقادم الأعوام، إلا أن ما يفرض نفسه هل يصلح أن تكون الحكومة هي لاعب هذا الدور؟ ألا يكرس ذلك ابتعاداً عن عالم الأسواق الحرة والتي لا تتدخل بها الحكومات خصوصاً أن الملاك الأبرز بالسوق هم صناديق حكومية وشبه ذلك، وهذا القادم المحتمل الجديد سيكون إضافة لتركز الملكية الرسمية وبالتالي سيلعب دوراً تجارياً بكل تأكيد، وهذا سيضيف بعداً آخر يعزز من دور الجهات الرسمية بسوق يفترض أنه معبر عن حرية الاقتصاد لدينا كما أن أي دور مباشر بهذه الصيغة لن يجذب الاستثمار الأجنبي كون أن منافسهم بالمتاجرة جهة حكومية فالملكيات الموجودة بحوزة صندوق الاستثمارات العامة لها صيغة مختلفة ومقبولة للاستثمار الأجنبي والمحلي كونها أتت نتيجة ظروف تأسيس شركات لا بد من طرف تمويلي قوي يكون مساهماً بها، ولذلك وجد هذا الصندوق والى الآن يلعب دوراً صحياً بشكل عام خصوصاً أنه يمول الشركات التي يستثمر بها في وقت شح فيه الائتمان بشكل كبير.
إذاً لا بد من إيجاد صيغ أكثر ملاءمة للواقع وللمستقبل يتم فيها حساب تطورات السوق وانفتاحه بالمستقبل على العالم ويلامس احتياجات المستثمر المحلي. وكنت قد اقترحت سابقاً أن الاستثمار المطلوب من أي جهة حكومية يجب أن يتم عبر المؤسسات المالية وصناديقها لدينا كما هو معمول بأغلب الأسواق الناضجة بعد دراستها بشكل دقيق، لأن ذلك يعني توسيع قدرة المؤسسات المالية على التعامل مع السوق بتأثير يوجد صناعة مؤسساتية، كما سيدعم توجه الأفراد للصناديق والمؤسسات مما يرفع من مقدرتها على قيادة السوق وبالتالي تستطيع أي جهة تدعم السوق عبر تلك المؤسسات من خلال ضخ عشرات المليارات أن تنسحب تدريجياً خلال سنوات قليلة ويحل مكانها عموم المستثمرين ويبقى للنشاط المؤسساتي دوره الفاعل وبهذا نسهم بتقوية قواعد السوق دون تكاليف مالية وإدارية وغير ذلك، فبقدر ما يبقى السوق مسؤولية حكومية عبر التشريع والتنظيم ودور كل جهة ترتبط به برفع كفاءته إلا أن الأموال الحكومية تبقى ضرورة لإيجاد تنمية مستدامة والتعامل مع الأزمات والطوارئ كما أن الإيرادات الحكومية لا تأتي بأي حال من المتاجرة اليومية بالسوق فليس مكان الحكومات المضاربة مع الناس فيه فلا يوجد ندية منطقية كما أن التعامل المباشر يعني رفع قيم شركات نتيجة لوزنها وبالتالي المستفيد سيكون كبار الملاك فيها وليس العموم وبالتالي الشراء المبطن عبر المؤسسات لن يخدم أحداً معيناً بل سيكون في صالح كافة القطاعات وبالتالي السوق والمتعاملين وكلنا أمل أن نرى المزيد من الإيضاحات حول فكرة القائد المقترح لأن السوق يبدو أنه لم يعر الفكرة أي أهمية والدليل أنه لم يظهر أي تفاعل معها رغم حساسيته المفرطة لأي خبر كحال كل الأسواق وبالتالي كأنه يجيب بأن الفكرة لا ترقي لمستوى التأثير لأنها غامضة أكثر من الفارس الخفي الذي كان يتدخل في أوقات سابقة باللحظات الأخيرة من تعاملات السوق بعد السقوط الكبير.