الأزمة العالمية لم تبدأ بعد!!

26/01/2013 0
أحمد الخطيب

يمر العالم منذ عام 2008 بما اصطلح على تسميته "الأزمة الاقتصادية العالمية"، وتتمحور جميع المبادرات والنقاشات المتعلقة بها حول السبل المؤدية للخروج من الأزمة.

من يومها، ونحن نستمع باستمرار إلى اراء الكثير من الخبراء المعنيين بالشأن الاقتصادي أن النظام العالمي أثبت فشله وأن جذور الأزمة تعود إلى بنية الاقتصاد الحر وبالتالي فشل النظام الرأسمالي، ولكننا نادرا ما حصلنا على مقترحات جدية للحل واكتفينا بالنظريات المتواصلة حول وجوب الانتقال إلى نظام بديل لا نعرف شكله أو مقوماته. في المقابل، تابعنا أيضا المدافعين عن النظام القائم وهم يقومون بشروحات جوهرها أن النظام من الطبيعي أن يتعرض للأزمات ولكن هيكيليته تتضمن سبل الاصلاح من الداخل وبالاساليب نفسها التي قام عليها النظام.

لم نلحظ حتى الان أية محاولات حقيقية باتجاه تغيير النظام الاقتصادي ولكننا بالتأكيد انشغلنا بمتابعة الاجراءات "الاصلاحية" التي قامت بها الدول والشركات الكبرى لدرجة الحديث بداية العام الحالي عن بدء تعافي الاقتصاد العالمي. ونتساءل هنا عما اذا كان إفلاس أو تعثر بعض الدول مقارنة مع إفلاس الشركات مع بداية الأزمة يعد دليلا على تعافي الاقتصاد!

إن العالم في نظرنا مازال لم يخرج من مرحلة الصدمة واستيعاب ما حدث في 2008 والاثار المترتبة على ذلك. فمن جهة مازالت المفاجاءات الاقتصادية تتوالى بل وبأحجام أكبر من السابق، ومن جهة أخرى لم تظهر أي من الاجراءات التي تم اتخاذها فعالية ولو بسيطة في السيطرة على الأزمة أو الحد من توسعها.

إن السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة وتداعياتها على مر السنوات هو غياب الرقابة المنظمة للاقتصاد بحجة أن الاقتصاد الحر يراقب نفسه بنفسه. كما أن أثر الأزمة الذي ظهر حتى الان هو نتاج سنوات طويلة من الممارسات المالية المعقدة وغير الواضحة. لذلك فإن إصلاح خلل بنيوي سيحتاج إلى وقت أطول بكثير من الوقت الذي استغرقه تكون الخلل. وبناء على ذلك لا يكمننا إلا الاستنتاج بأنه يوجد المزيد من الكيانات الهشة والتي لم يتم اكتشافها بعد. كما أنه لا توجد إشارات تجعلنا نعتقد أن تلك الكيانات المذكورة قامت بإصلاح نقاط ضعفها.

بالنظر إلى المستقبل الاقتصادي، وكي لا تدور الاجراءات الاصلاحية في حلقة مفرغة، فإننا نشدد على وجوب المباشرة في البحث الجدي بتطوير عاملين أساسيين من عوامل الاقتصاد العالمي.  العامل الأول هو الأسلوب المحاسبي التقليدي المتبع، ولا أعني هنا وضع معايير محاسبية جديدة بل تغيير جذري للأسس المحاسبية المستخدمة في الافصاحات المالية وطريقة إعداد التقارير المالية. فلا يمكن للمعاملات المالية والتجارية أن تتطور بالشكل الذي شهدناه ونتستمر باستخدام الأساليب المحاسبية التقليدية التي أثبتت فشلها في مواكبة التطور الاقتصادي، وإلا فكيف يمكن تفسير انهيار وإفلاس شركات وبنوك كبرى فجأة على الرغم من عدم وجود أي انذارات حسابية.

العامل الاخر هو تحديث وتطوير الوسائل الرقابية بحيث تتمكن من التركيز على المخاطر المتعلقة بالأنشطة المالية والتجارية وعدم الاكتفاء بالرقابة القانونية. إن العديد من العمليات التي سببت الأزمة كانت تتم بشكل قانوني صريح ولكنها احتوت على مخاطر عالية فشلت الرقابة في اكتشافها أو تسليط الضوء عليها.

ختاما، وإلى حين ظهور جهود جدية للتطوير فإننا نتمنى أن تكون الأزمة العالمية قد شارفت على الانتهاء مع أننا وللأسف نعتقد أنها لم تبدأ بعد.