معالم جعل دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي

24/01/2013 0
حسان بن عبدالله علوش

بعد الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم عام 2008 ولاتزال بعض آثارها مستمرة إلى يومنا هذا، عاد الضوء ليسلط من جديد على الاقتصاد الإسلامي، حيث لوحظ أن فيه بدائل أجدى وأنفع من الأعمال التي تسببت بالأزمة بشكل رئيسي، كما أن القطاعات والمؤسسات المنضوية تحت نهجه كالبنوك الإسلامية كانت الأقل خسارة وتأثرا بالأزمة.

في دبي هناك مهارة كبيرة وديناميكية في استغلال الفرص الاقتصادية: خصوصا التجارية والمالية والعقارية منها أكثر من الصناعية ونحوها، وتبني هدف جعلها عاصمة الاقتصاد الإسلامي أمرٌ ليس بالبسيط، لكنه ممكن الحدوث فيها.

الاقتصاد الإسلامي هو السلوك والنشاط الاقتصادي النابع من الشريعة الإسلامية أو المحكوم بمبادئها وتعاليمها، فهو ليس فقط عملية ضبط ورقابة للنشاط الاقتصادي التقليدي، ليصدر أحكام بأنه يتوافق أو لا تتوافق مع الشريعة، بل هناك ابتكار ورؤية وتطوير أدوات اقتصادية جديدة – إسلامية - وتجديد في الاقتصاد ينبع من المبادئ والتعاليم الشرعية الإسلامية، كما هو حال الإسلام في جميع مناحي الحياة.

الاقتصاد الإسلامي سيكون قطاعا من القطاعات الرئيسية لاقتصاد دبي، وعليه لن يكون اقتصاد دبي اقتصادا إسلاميا بشكل شامل بالمعنى الذي قد يفهمه البعض.

وسيضم الاقتصاد الإسلامي – كقطاع في دبي - قطاعات فرعية تتمحور حول المال والمعايير الشرعية، وفق ما جاء في بيان لحكومة دبي، وهذه القطاعات هي: التمويل الإسلامي، والتأمين الإسلامي، والتحكيم في العقود الإسلامية، وتطوير صناعات الأغذية الحلال، والمعايير التجارية والصناعية الإسلامية، بالإضافة إلى مسار معايير الجودة الإسلامية.

على ماذا تعتمد دبي في تبني الاقتصاد الإسلامي وجعله قطاعا اقتصاديا رئيسياً ؟؟:

1 – الانفتاح والديناميكية الذي تبنته دبي في اقتصادها واتخذته نهجا، والإقبال على دبي من مختلف الشرائح ولمختلف الأسباب، هو العامل الرئيسي في تبني الاقتصاد الإسلامي، فثلا: تجهيز منطقة حرة مخصصة لهذا القطاع أمر متوقع ويسير في دبي التي تملك الكثير من المناطق الحرة المتخصصة.

2 – البنية التحتية المادية عالية المستوى في دبي: بما تشمله من شبكة مواصلات رائدة ومطارين وموانئ ضخمة، ومناطق تجارية وعقارية مجهزة، وسهولة توفير الحاجات الأساسية بشكل سريع (كهرباء وماء واتصالات..).

3 – البنية التحتية التشريعية، والنقطة الأبرز في هذا الجانب أن دبي لديها دبي مركز دبي المالي العالمي، وهو مركز يعمل بنظام المناطق الحرة التي تتيح مرونة كافية للشركات المالية والبنكية لافتتاح وممارسة أعمال فيها، وربما سيكون أحد ركائز قطاع الاقتصاد الإسلامي الموعود في دبي.

4 – الموقع الجغرافي الاستراتيجي للإمارة والذي يتوسط ما بين الشرق والغرب، وعززت دبي من استراتيجية هذا الموقع بمطارها العالمي وطيران الإمارات، واللذان سهلا الوصول إليها والمرور بها بشكل كبير.

5 – يزيد عدد المسلمين في العالم عن المليار ونصف المليار مسلم، ويتنامي الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي لديهم، لاسيما مع سرعة انتقال المعلومات عبر وسائل الاتصال الحديثة، مما يؤكد وجود سوق قوي وراسخ ومتنامي لمنتجات الاقتصاد الإسلامي.

6 - بما أن الاقتصاد الإسلامي يهم المسلمين بشكل أساسي أكثر ممن سواهم، فإن دبي من ضمن مجموعة قليلة من مدن المسلمين عالمية المستوى ومنفتحة الاقتصاد.

ملامح بناء قطاع الاقتصاد الإسلامي في دبي:
شكّل حاكم دبي لجنة رسمية لتطوير قطاع الاقتصاد الإسلامي، واعتمد لها 6 مبادرات أساسية ستعمل عليها بشكل فوري في إطار جعل دبي عاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامي، تنتهي هذه المبادرات خلال الأشهر الستة القادمة.

قال بيان صدر عن حكومة دبي: "إنه سيتم من خلال قطاع الاقتصاد الإسلامي التركيز على عدة مسارات رئيسية تتمحور ضمن مسارات التمويل الإسلامي، والتأمين الإسلامي، والتحكيم في العقود الإسلامية، وتطوير صناعات الأغذية الحلال، والمعايير التجارية والصناعية الإسلامية، بالإضافة إلى مسار معايير الجودة الإسلامية.

ومن خلال كل مسار من هذه المسارات سيتم تأمين عدد من الحلول المتكاملة والتسهيلات لدعم قطاع الاقتصاد الإسلامي وتفعيل العمل به، حيث سيتم من خلال مسار التمويل الإسلامي تطوير أدوات التمويل الإسلامي والصكوك الإسلامية ضمن أسواق دبي، وإنشاء مجلس شرعي لاعتماد المنتجات الجديدة حسب المعايير التجارية الإسلامية.

وسيركز مسار التأمين الإسلامي على جذب أكبر الشركات العالمية للتأمين الإسلامي لتتخذ دبي مقراً لها، وتطوير أدوات التأمين على مستوى الأفراد والمؤسسات.

وسيعمل مسار التحكيم في العقود الإسلامية على إنشاء مركز لتسوية النزاعات والتحكيم في العقود الإسلامية، في حين سيقوم مسار تطوير صناعات الأغذية الحلال بتشجيع الصناعات الغذائية، والتصديق على المنتجات الغذائية والتأكد من مطابقتها للشريعة".

أما صورة دبي وهي عاصمة الاقتصاد الإسلامي: فهي مدينة تضم سوق تمويل إسلامي، ومركزا – أو مراكز - ماليا إسلاميا يضم شركات تأمين إسلامي وبنوكا إسلامية ومؤسسات مالية وتمويلية تعمل وفقا للنظام الإسلامي، وسيكون هذا المركز مقرا تنطلق منه عمليات تلك الشركات لأنحاء العالم سواء في المجال المصرفي أو التمويلي، يضاف إلى ذلك مراكز تحكيم ورقابة وأبحاث في الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى مناطق تجارية أو صناعية لصناعة وتصدير الأغذية الحلال، مع مراكز رقابة وجودة للتأكد من مطابقتها للمعايير.

سيفد المزيد من المتعاملين والمهتمين إلى دبي عندها، وسيصبح الاقتصاد الإسلامي في حال نجاحه في السير ليكون قطاعا اقتصاديا رئيسيا بالإمارة، رافداً لاقتصاد دبي وللنشاط الاقتصادي العام فيها في جوانبه المختلفة: الخدمية والعقارية والسياحية وغيرها.

تحديات تطوير قطاع الاقتصاد الإسلامي:
أبرز تحدٍ في اعتقادي هو الجانب العلمي النظري والتشريعي والرقابي، إذ ومنذ بزوغ ثقافة الاقتصاد الإسلامي خلال القرن الماضي، تم التركيز على الجانب المصرفي والمعاملات البنكية والبنوك الإسلامية فيها دون تركيز على تطوير منتجات جديدة، أو توسيع دائرة الاهتمام لمجالات أخرى، والاقتصار على التكييف الفقهي للمعاملات المالية والبنكية الرئيسية والمشهورة، كالقروض البنكية والحوالة والمرابحة ونحوه.. والسبب في ذلك ندرة الجمع أكاديميا وعلميا بين علوم الاقتصاد التحليلية وبين العلوم الشرعية وأقصد الفقه الإسلامي خصوصا، لأن الاقتصاد كتحليل هو في الأصل علم واحد: سواء أكان إسلاميا أم تقليديا، إنما تطويعه ليتوافق مع الشريعة في جانب وتطوير أدواته في جانب آخر لتكون إسلامية أمر يحتاج إلى كوادر تجمع بين الاقتصاد والشريعة، وتوفير كادر مؤهل في الاقتصاد الإسلامي يمثل تحديا جديا، وهو في نفس الوقت فرصة للجامعات لتبني هذا التخصص ونشره.

قد يكون هناك تحديات أخرى تتعلق بجوانب مختلفة: كالقدرة على استيعاب عدد كبير من المؤسسات، وتنيظم العلاقة المالية والتشريعية بين هذا القطاع كقطاع محلي في دبي مع الاقتصاد الاتحادي للإمارات ككل، والقدرة على تطوير قوانين تواكب تجديد وتحديث المعاملات المالية والتمويلية والتأمينية الإسلامية، كما قد يشكل الإقبال الكبير على دبي عاملا لعودة بعض الإشكالات الاقتصادية التي حصلت سابقا كالغلاء والزحام.

الاقتصاد الإسلامي واعد بشكل عام، وخلال 6 أشهر سننظر إلى المعالم المعتمدة رسميا لتطوير هذا القطاع في دبي وخطى السير فيها وجعلها عاصمة له.