هي حقيقة مرة ليست خافية على أحد، بل إن المسئولين صاروا يناقشونها علنا وبلا مواربة، وبذلك أقصد ذلك الكم الهائل من المشاريع المتعثرة، والمتأخرة، بل وحتى المختفية. الحكومة السعودية تنفق بسخاء، ومنذ سنوات طوال، على مشاريع تنموية مختلفة بشكل عام وعلى مشاريع البنية التحتية بشكل خاص، ولكن كما كبيرا من هذه المشاريع لا يرى النور إلا بعد سلسلة من الإشكاليات والتأخير التي تجعل من كل مشروع يبدو وكأنه عملية قيصرية لا طريقا سريعا أو مدرسة صغيرة !
وعندما تبذل جهدا ولو بسيطا في البحث عن الدراسات حول هذا الموضوع، أو حتى التصاريح والمقالات والتحليلات الصحفية، تتفاجأ بتعدد الأسباب وتوزيع الملامة حول سبب إخفاق العديد من المشاريع التنموية التي تهدف آخرا إلى تطوير هذه البلاد. والقائمة تطول ولكني ألخصها فيما يلي : الفساد الإداري والمالي وفساد الضمائر، نقص العمالة في شركات الإنشاء والصيانة، ضعف المتابعة والرقابة من الجهات الحكومية المسئولة عن المشاريع، تفشي التعاقد بالباطن، القوانين الحاكمة والمنظمة للتعاقدات الحكومية مع المقاولين، قلة خبرة أو احترافية من المكاتب الهندسية، توزع المسئولية بين عدد كبير من الجهات، نقص التمويل أو تأخره، إلخ...
الأسباب إذا كثيرة، والمؤلم أن عدد المشاريع المتأخرة والمتعثرة يزداد يوما بعد يوم في منظر مليودرامي لا تخطئه عينا المواطن أينما التفت في طرقات بلادنا الحبيبة، ما بين شوارع مسدودة لسنين، وبنايات بأساساتها تنهشها الرطوبة والحرارة، وحفر ضخمة هنا وهناك، أو أراضٍ شاسعة خالية من أي شيء بانتظار تشييد تلك الرسوم التخيلية على ألواح المشاريع المغروسة في خواصرها. أما عدد المشاريع المتأخرة أو المتعثرة فهو أمر بالفعل يصعب تحديده، فبينما تظهر بعض التصريحات التي تزعم أنها بالعشرات فقط، تناقضها أخرى رسمية بأنها تربو على الألف، وأخرى غير رسمية تزعم أنها بالآلاف. لذلك لا داعي لأن نخوض في مسألة التكاليف المهدرة على تلك المشاريع لأن ذلك سيحتاج اعترافا صريحا بتعيين وتحديد أعدادها.
ما الحل إذا؟ وكيف تعالج مسألة بيروقراطية تتعدد أطرافها ما بين البلديات والأمانات وشركات الإنشاء والصيانة ووزارات حكومية متعددة تطلب تلك المشاريع وإمارات مناطق ووزارة للمالية مسئولة عن تقييم موازنات تلك المشاريع والصرف عليها؟ الصورة بالطبع معقدة وتبدو قاتمة، فضريبة تأخير وتعثر هذه المشاريع تدفعها أجيال المواطنين واقتصاد البلاد، فيما تتآكل البنية التحتية نتيجة هذا «الوضع» إن جاز لي التعبير.
الحل هو في تقنين هذا العدد الكبير من الاختناقات البيروقراطية، فبدلا من عنق زجاجة واحد أصبح هناك العشرات، لابد من تحديد طرف واحد يتحمل مسئولية متابعة تنفيذ وتقييم هذه المشاريع، حتى ولو تطلب ذلك تأسيس شركة مساهمة تمنح الصلاحية الكافية، ويملكها المواطنون والحكومة، تعنى بتلقي الطلبات وترسيتها ومتابعة أمورها المالية. باختصار : نحتاج أرامكو للمشاريع والبنى التحتية !
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع