استهلاك الطاقة في الخليج والأعباء المرتقبة

17/01/2013 0
عامر ذياب التميمي

يمثّل استهلاك الطاقة في بلدان النفط الخليجية تحدياً اقتصادياً حقيقياً لا بد من مواجهته، فاستهلاك النفط في السعودية، مثلاً، بلغ ثلاثة ملايين برميل يومياً، وفي الكويت 300 ألف برميل يومياً، وهاتان نسبتان مهمتان من إنتاج البلدين، وتعنيان خسارة اقتصادية. ويجري هذا الاستهلاك بأسعار مخفضة أو مدعومة وذلك في وسائط النقل وإنتاج الكهرباء. وعملت بلدان الخليج خلال السنوات الماضية لتطوير قدراتها في إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر، من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وشركات عالمية.

وقطعت السعودية والإمارات وعُمان أشواطاً مهمة في تخصيص إنتاج الكهرباء، وتمكنت من تعزيز المنافسة الاقتصادية المفيدة في هذا القطاع الحيوي، ما عزز السيطرة على تكلفة الإنتاج. وذكر مختصون في السعودية أن إنتاج الكيلواط من الكهرباء بات يكلف ثمانية هللات فقط، ما يعني أن التكلفة أصبحت منخفضة بما يمكّن من بيع الكيلواط للمستهلك بسعر مناسب مع تحقيق عائد معقول للمنتجين.

وغني عن البيان أن السعودية والأمارات تؤكدان للمستهلكين أهمية أداء التزاماتهم في مقابل استهلاك الكهرباء إذا أرادوا استمرار الخدمة، أي كما هو معمول به في البلدان المتقدمة. لكن الكويت ما زالت تعاني ممارسات تقليدية واعتبارات سياسية تعطل إصلاح مرفق الطاقة. وبموجب تقارير وزارة الكهرباء والماء، تنفق حكومة الكويت سنوياً نحو ثلاثة بلايين دينار كويتي على الإنتاج لكنها تحصّل فقط 300 مليون دينار في مقابل هذه الخدمة التي توفرها للمستهلكين بأنواعهم كلها، التجاري والاستثماري والصناعي والسكني. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فتحصيل حقوق وزارة الكهرباء والماء من المستهلكين يشوبها كثير من التعثر والإهمال فتظل حقوق غير مسددة في أوانها ولا يتابعها المسؤولون.

وأشار تقرير صدر أخيراً عن ديوان المحاسبة في الكويت، إلى أن وزارات الدولة تتقاعس في تحصيل حقوقها المالية من المواطنين والمقيمين، شركات وأفراداً، فبلغ ما يجب تحصيله نحو 592 مليون دينار خلال السنة المالية الحالية، منها 311 مليوناً لصالح وزارة الكهرباء والماء أو 52.5 في المئة من الإجمالي. وثمة كثيرون من المستهلكين، كباراً وصغاراً، يترددون في دفع التزاماتهم نظراً إلى عدم جدية متابعة التحصيل من قبل أجهزة وزارة الكهرباء والماء. بل ثمة مستهلكون كثيرون في قطاع السكن لا يدفعون المبالغ المتواضعة التي تقسط على حساباتهم لتمكينهم من التسديد المريح. ويضاف إلى ما سبق ذكره أن استهلاك الكهرباء والمياه في الكويت يعاني استخداماً غير رشيد نتيجة عدم الإحساس بالتكلفة الحقيقية من المستهلكين بفئاتهم النوعية والطبقية كلها.

أما استهلاك الوقود في عمليات النقل فهو يتنامى في كل بلدان المنطقة التي تشهد تزايداً في وسائل النقل، خصوصاً السيارات، فمعدلات الاقتناء ما زالت مرتفعة في كل بلدان الخليج حيث تتوافر تسهيلات الشراء التي تمكن أصحاب المداخيل المحدودة من شراء سيارات غالية الثمن بموجب أقساط شهرية مناسبة تمتد لخمس سنوات. ويمكن لكثير من الوافدين، بمن فيهم من يتقاضون رواتب متواضعة، أن يشتروا سيارات مستعملة تباع أيضاً بموجب أقساط. ولا شك في أن غياب أنظمة النقل الجماعي في البلدان المعنية يزيد من الإقبال على شراء السيارات. وإلى جانب الزحام الخانق، تستهلك الأعداد المتزايدة من المركبات كميات هائلة من الوقود المدعوم من الدولة ما يشكل عبئاً اقتصادياً حقيقياً لا يمكن التهاون في شأنه، حتى مع امتلاك البلدان المعنية قدرات مالية متميزة.

إذاً نحن أمام استهلاك للوقود مكلف وغير رشيد من دون محاولة لتطوير آليات وبدائل تؤدي إلى السيطرة على استخدام الطاقة ومشتقاتها كلها، خصوصاً أن بلدان الخليج تعاني أوضاعاً ديموغرافية غير طبيعية إذ تزيد أعداد الوافدين عن أعداد المواطنين في كثير من هذه البلدان، في وقت تؤشر فيه معدلات الزيادة السكانية الطبيعية للمواطنين إلى إمكانيات ارتفاع أعداد المستهلكين. ويقدّر عدد سكان بلدان الخليج بـ 42 مليون نسمة، بمن فيهم الوافدون، فيما يقارب الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان 1.1 تريليون دولار. وعلى رغم امتلاك هذه البلدان إمكانيات مالية مهمة تسمح بتحسين مستويات المعيشة، يجب تحقيق هذه الأهداف بموجب معايير اقتصادية تعتمد على الكفاءة وترشيد استغلال الموارد.

لا يمكن إنجاز تطور في مسألة استهلاك الطاقة من دون تحويل ملكية مرافق الإنتاج والتوزيع في هذا القطاع إلى القطاع الخاص، وتعزيز المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، وجذب الشركات العالمية المتخصصة للمشاركة المالية والفنية. كذلك يتعين على هذه البلدان تطوير مرافق النقل وتحسين إمكانيات النقل العام وترشيد عمليات شراء السيارات الخاصة على أسس اقتصادية. ولا بد من مراجعة مسألة توظيف العمال الوافدين من دون قيود وتحسين كفاءة العمال المحليين بما يؤدي إلى الاستغناء المتدرج عن الاستقدام، علماً أن العديد من العمال الوافدين يفيضون عن الاحتياجات الطبيعية في أي من بلدان المنطقة، ويساهمون في زيادة كلفة استهلاك الطاقة.