مشروع مارشال تنموي عربي

09/01/2013 2
محمد العنقري

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قدم وزير خارجية أميركا جورج مارشال في العام 1947 مشروعه لإعادة إعمار أوروبا التي انهكت بتلك الحرب وساهم هذا المشروع بنهوض أوروبا ومنع التوغل الشيوعي فيها وقد خصص لهذا المشروع ثلاثة عشر مليار دولار والنتائج هي ما نرى أوروبا عليه الآن، ولعل التذكير بهذا المشروع الشهير باسم صاحبه يأتي بمرحلة مشابهة يعيشها العالم العربي فبعد أقل من أسبوعين ستعقد بالرياض القمة العربية المعنية بالشأن الاقتصادي والتنموي العربي والتي تعقد كل عامين وتأتي أهمية هذه القمة أنها تعقد بعد أن دخلت العديد من الدول العربية بمرحلة تغيير بأنظمتها تعد الأكبر والأوسع منذ أكثر من ستين عاماً والتي خلفت أثاراً اقتصادية كارثية وأن كان ذلك يعد أمراً متوقعاً فتغيير الأنظمة السياسية ينعكس على كل جوانب الدولة ومرتكزاتها.

وتظهر الأرقام التي خلفتها الأحداث وما اتضح من خلل اقتصادي كبير فيها الحاجة إلى مشروع نهضة اقتصادية عربية كبيرة فالاقتصاد كان أحد أبرز دوافع التغيير بتلك الدول فخسائر مصر بعشرات المليارات واحتياجاتها للنهوض الاقتصادي أيضا بأرقام كبيرة لا تقل عن ثلاثين مليار دولار ولا تعد تونس بوضع اقتصادي جيد واليمن بحالة صعبة اقتصادياً أما سوريا فكارثتها لا توصف إنسانياً واجتماعياً أما اقتصادياً فالخسائر التي تراكمت للآن نتيجة الدمار بالبنى التحتية والشلل الاقتصادي الذي فرضه نظام الحكم فيها قتلا وتدميراً تقدر بأكثر من مئة مليار دولار ولا تختلف أحوال دول عربية عديدة باستثناء دول الخليج عن دول الربيع العربي بالضعف الاقتصادي مما يتطلب من الدول العربية وعبر دور هام للجامعة العربية بوضع مشروع عربي نهضوي يقف على مسببات ضعف الاقتصاد العربي ويعالجها بشكل مباشر والابتعاد عن الأهداف الفضفاضة أو غير المباشرة

فالعالم العربي يعاني فجوات بكل الجوانب الداعمة لاقتصاده إذ لاينقصه أي من الأساسيات التي من شأنها أن تنهض باقتصاده إذ يعاني العالم العربي من الأمية التي يرزح تحتها ربع سكانه وكذلك ضعف المهنية والتدريب بالرغم من توفر أيدٍ عاملة بأعداد كبيرة كما أن موارده غير مستغلة بالأسلوب الأمثل فقبل أيام صرح مساعد الأمين العام للجامعة العربية للشئون الاقتصادية بأن الدول العربية غير قادرة على سد الفجوة الغذائية حاليا ذاتياً رغم أن الدول العربية تملك مصادر مياه كبيرة وأراضي زراعية خصبة كما أن الثروات الطبيعية التعدينية وغيرها لازال الاستثمار بها ضعيفاً أما القطاعات الخدمية والسياحية والصناعية فكلها دون المستوى الممكن أو المطلوب.

أما جاذبية الاستثمار للدول العربية فهي من حيث المقومات كبيرة ولكن من حيث الحجم فمازالت ضعيفة جداً بسبب ترهل الأنظمة وضعف التعاون العربي وغياب الأنظمة والتشريعات الداعمة لتسهيل الإجراءات ورفع مستوى الضمانات للمستثمرين بأغلب الدول العربية أما الناتج الإجمالي العربي فمازالت دول بأوروبا كأسبانيا أو إيطاليا تتفوق عليه رغم مرور أوروبا عموما بأزمة اقتصادية كبيرة.

ولعل من حسن الحظ أن الوضع العربي الراهن الصعب يأتي بوقت تتوفر لدى بعض الدول العربية فوائض مالية كبيرة وإذا ما تمت معالجة الأنظمة والتشريعات بالدول العربية المتراجعة اقتصادياتها والتي تملك جاذبية استثمارية لما تملكه من إمكانيات فإن من شأن ذلك ضخ جزء من هذه الأموال بتلك الدول لتحقيق أكثر من فائدة للعرب عموما.

إلا أن تحقيق ذلك يتطلب أيضا تحولا بأساليب وطرق التمويل كتأسيس صندوق أو بنك عربي بمعيار استثماري وبرأس مال كبير يفوق العشرين أو ثلاثين مليار دولار كمرحلة أولى ويهدف للنهوض بأهم المشاريع التنموية بالدول العربية التي من شأنها توفير بيئة استثمارية تتناسب مع إمكانيات كل دولة ويدار بمعيار تجاري بحت ومستقل لايخضع لأي ضغوط من الدول الأعضاء بالجامعة العربية ويفرض شروطه لتقديم التمويل المطلوب وفق رؤية اقتصادية وتحمل كل الضمانات للسداد دون إغفال المصلحة العربية العامة.

كما أن مثل هذا الكيان من شأنه أن لا يترك الدول العربية تتجه لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي كخيار أول والذي يضع شروطا قاسية على المقترضين وأيضا يخفف من الطرق الحالية لطلب المساعدة والدعم من دول عربية بالطرق والأساليب التقليدية لتصبح مثل هذه الطرق خياراً متأخراً لأي دولة سواء كان طلبها من دول عربية ثرية أو دول أجنبية ونلاحظ كيف يتعاطى الأوروبيين مع أي مساعدات أو تمويل لأي دولة خارج أو داخل الاتحاد الأوروبي بأسلوب جماعي يحمل ضمانات وأثر أكبر لتلك المساعدات.

العرب أمام فرصة تاريخية للانتقال باقتصادياتهم لمرحلة تنموية متكاملة برأس مال وسواعد عربية صرفة فالتغيرات السياسية التي حدثت أفرزت تطورا كبيراً إذ حققت الدول التي أنهت تغيير نظامها السياسي الكثير من التعديلات والاستحقاقات السياسية والتشريعية ولعل النهوض الاقتصادي هو ما تحتاجه أغلبها حالياً خلاف التي تعيش أوضاعا سياسية مستقرة لكنها ضعيفة اقتصادياً والقمة القادمة تحمل فرصة تحقيق رؤية اقتصادية عربية من خلال الوقوف على المشكلة ووضع الحل المباشر لها وتفعيل التعاون العربي الاقتصادي وفق كل الإتفاقيات الناظمة لها وإضافة أو إصلاح ما تحتاجه هذه الاتفاقيات من تجديد وتطوير.