هل البرلمان الكويتي مناسب حقاً لإصلاحات اقتصادية جذرية؟

03/01/2013 2
عامر ذياب التميمي

يرى كثيرون أن حكومة الكويت لم تعد تملك أعذاراً مشروعة للاستمرار في تجميد الإصلاح الاقتصادي الشامل، بعدما أفرزت الانتخابات النيابية في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الماضي مجلس أمة مثالياً لها كي تمرر القوانين المطلوبة في هذا المجال. ويضيفون أن الحكومة كانت لها مبررات في الماضي بوجود غالبية برلمانية شعبوية معادية للإصلاح البنيوي، أوقفت مشاريع المصفاة الجديدة والبتروكيماويات، وعرقلت تخصيص مؤسسات ومرافق مثل "الخطوط الجوية الكويتية" والكهرباء والمياه والاتصالات الأرضية والمطار والموانئ ونظام الرعاية الصحية. لكن هل يمكن حقاً أن يتوافق أعضاء مجلس الأمة في الفصل التشريعي الجديد على متطلبات الإصلاح المنشود؟

ثمة أجندات لدى عدد من أعضاء مجلس الأمة تتماشى مع متطلبات الشعبوية، ومنها زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الحكومة والقطاع الخاص وتمرير هبات للمواطنين ما دامت هناك فوائض في الموازنة العامة. ويطمح عدد من هؤلاء إلى تجاوب الحكومة مع مطالبهم لإسقاط القروض الاستهلاكية أو فوائدها أو شرائها في مقابل تعزيز التأييد السياسي. فكيف سيجري التعامل مع هذه المطالب من دون التأثير في مسار الإصلاح الاقتصادي الشامل؟ يجب الإقرار بأن الحكومة الكويتية في ورطة، فهذا المجلس جاء بموجب تعديل في النظام الانتخابي كان مثار جدل واسع في المجتمع السياسي ودفع العديد من القوى السياسية إلى مقاطعة الانتخابات، ما قد يدفع الحكومة إلى التجاوب إلى حد ما مع هذه المطالب وتحميل المال العام تكاليفها.

وهناك أجندة واسعة للإصلاح الاقتصادي يجب الاستفادة من غياب التأزم السياسي لتمريرها. فثمة قوانين آن أوان تعديلها، ومنها قوانين الشركات والمبادرات (البناء والتشغيل والتحويل أو "بي أو تي") والتخصيص، وهي قوانين مر زمن على إقرارها. يجب، أولاً، تعديل قانون الشركات لتسهيل التأسيس وتعزيز تملك المستثمرين الأجانب للأسهم. وصدر مرسوم بقانون جديد للشركات يفترض عرضه على مجلس الأمة قريباً. ويتطلب، ثانياً، قانون التخصيص مراجعات مهمة كي يسهل تحويل ملكية المنشآت والمرافق من القطاع العام إلى الخاص وفق جدول زمني وأسس منهجية وواقعية تضمن حقوق العاملين ولا تحمل المالكين الجديد أعباء غير ضرورية.

وجاء القانون الرقم 7 لعام 2008 المنظم لعمليات البناء والتشغيل والتحويل ليعطل المبادرات الخاصة ذات الصلة بالمشاريع الحيوية في الكويت، إذ وضع شروطاً عسيرة أدت إلى تراجع جاذبية هذه المشاريع لمؤسسات القطاع الخاص، منها تحديد نسبة لا تتجاوز 10 في المئة مخصصة للمبادر في أي مشروع، ولم يحدد كيفية احتساب قيمة الأراضي التي سيقام عليها المشروع، وهي أراض تكون عادة مملوكة من قبل الدولة. ويجري التعاقد على مشاريع كهذه بموجب حق الانتفاع لفترة زمنية معقولة، مثل 20 سنة، لكن بعد انتهاء هذه المدة، لا يعطي القانون الأولوية للمبادر لإدارة المشروع.

وأصدر مجلس الأمة عام 2008 القانون الرقم 8 في شأن السكن الخاص، وحرم بموجبه الشركات الخاصة من الاستثمار في مشاريع السكن الخاص، على رغم أن الكويت تتبنى فلسفة الرعاية السكنية فتقدّم قرضاً سكنياً لكل عائلة كويتية بمقدار 70 ألف دينار من دون فوائد ويسدد على مدى زمني مريح، قد يصل إلى 40 سنة، كما تقدّم سكناً جاهزاً بواسطة الهيئة العامة للإسكان يُسدَّد ثمنه أيضاً على مدى زمني مريح أيضاً. بيد أن الإمكانات التنفيذية لدى الدولة محدودة ما أدى إلى تراكم طلبات السكن إلى 80 ألف طلب تقريباً، وجعل فترة الانتظار تتجاوز 15 سنة. ويمكن هنا للقطاع الخاص المساهمة في إنجاز المساكن الخاصة من خلال تشجيع النظام المصرفي على ابتداع آليات تمويل طويل الأجل من أجل اقتناء السكن.

يبدو أن مثل هذه القوانين تشير إلى العداء المبطن في المجتمع السياسي لدور القطاع الخاص، ربما بسبب ثقافة الاقتصاد الريعي التي تسود البلاد منذ 60 سنة. ويتطلب الإصلاح الاقتصادي تفعيل دور القطاع الخاص ومعالجة مشكلة توظيف المواطنين الذين يتكدسون في شكل بطالة مقنّعة ومكلفة في الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام. وهناك مشكلة الاعتماد على العمال الوافدين في شكل مبالغ فيه وعدم وضع شروط ملائمة للاستقدام تشمل التأهيل والمهنية والخبرة. ولا يؤدي النظام التعليمي إلى إنتاج يد عاملة وطنية مناسبة للعديد من المؤسسات الأساسية في مختلف القطاعات الاقتصادية.

والأسبوع الماضي رفع اتحاد مصارف الكويت، بالتعاون مع اتحاد العقاريين واتحاد الشركات الاستثمارية واتحاد الصناعات الكويتية، إلى الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مذكرة بعنوان "الإجراءات العاجلة لمعالجة الوضع الاقتصادي في دولة الكويت: المعالجات القطاعية". وتهدف المذكرة إلى التنبيه إلى الأوضاع الصعبة التي تمر بها مختلف هذه القطاعات ومؤسساتها وارتفاع تكاليف التمويل وانكشاف القطاع المصرفي على ديون لشركات متعثرة. وربما يسعى مقدمو المذكرة إلى معالجة أوضاع راهنة، لكنهم تطرقوا إلى أهمية الإصلاح الواسع البعيد الأمد.

مؤكد أن هذه المذكرة النوعية، وقبلها مذكرات ومقترحات من غرفة تجارة وصناعة الكويت، لا بد أن تحرك المياه الساكنة وتحفز الحكومة على تبني نهج إصلاحي ربما يحقق بعض النتائج، إذا اتسمت الأوضاع السياسية بالاستقرار. فالكويت تستطيع إنجاز الإصلاح من دون تحمل أعباء اجتماعية ومصاعب تذكر، فالحكومة تملك الأموال الكافية لمواجهة أعباء أي إصلاح في الأمد القصير، لكن الاستمرار في النهج الريعي الحالي قد يؤدي إلى تكاليف اقتصادية وسياسية باهظة في المستقبل لا يمكن التكهن بحجمها من الآن.