من المؤكد أن تراجع أحجام التداولات في البورصة القطرية في مثل هذا الوقت من السنة قد بات يضع علامة استفهام كبيرة عن أسباب هذه الظاهرة المقلقة التي ترتب عليها تراجع ملحوظ في أسعار أسهم كثير من الشركات وتراجع المؤشر العام حتى الآن بنسبة 5.1% منذ بداية هذه السنة. والأهم من ذلك أن الظاهرة لم تعد أمراً طارئاً أو استثنائياً بل هي قد اكتسبت صفة الديمومة، بحيث لم تعد الحلول قصيرة الأجل وتدخلات المحافظ الاستثمارية كافية لوقفها وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سنوات. فإذا كان الاقتصاد القطري ينمو بمعدلات كبيرة تزيد عن العشرة بالمائة سنوياً، وإذا كنا في هذا الوقت من السنة نقترب من موسم توزيعات عوائد الأسهم، فلماذا لا ينعكس ذلك إيجاباَ على تداولات البورصة باعتبارها مرآة الاقتصاد، ولماذا يفضل أصحاب الودائع الإبقاء عليها في البنوك عند معدلات فائدة ومرابحة لا تزيد في الغالب عن 1.5%، ويرفضون شراء أسهم قد تحقق لهم –في بعضها على الأقل- عائداً أفضل قياساً على ما كان يحدث في سنوات سابقة؟
لقد سبق أن تناولت هذا الموضوع في أكثر من مقال وأشرت إلى أنه في خضم الاهتمام بمعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فقد تركز كل الاهتمام على وضع ضوابط تحول دون تكرار ما حدث في السابق من ممارسات ذات مخاطر عالية،بما يعرض سلامة الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية لمخاطر عديدة.ومن بين هذه الضوابط وقف استثمارات البنوك المباشرة في الأسهم، ثم وضع سقف لها يبلغ مائة مليون ريال لكل بنك منذ مارس 2010، ووقف تمويل المتاجرة بالهامش في الأسهم رغم أن النسبة كانت منخفضة ولا تزيد عن 40% من قيمة أي صفقة.كما تقرر منذ العام 2009 وقف عمليات التورق لدى البنوك الإسلامية وشركات التمويل الإسلامي،والفروع الإسلامية للبنوك التقليدية. وبدلاً من أن يتم توفير التمويل اللازم للعميل عن طريق شراء أسهم وبيعها له، فإن العملية باتت تقتصر على شراء الأراضي والمعادن. وكانت هناك أسباباً أخرى لتراجع التداولات منها وقف عمل الوكلاء، وانعدام أرباح المستثمرين في الاكتتابات الأخيرة وتحولها إلى خسائر كما في فودافون، وتراجع توزيعات عوائد كثير من الشركات.
كل هذه وغيرها كانت أسباباً موجبة للظاهرة التي نحن اليوم بصددها في هذا المقال، وهي ظاهرة تراجع تداولات البورصة. ولكن السبب الأخطر والأهم بينها هو وقف عمليات التورق بالأسهم للبنوك الإسلامية. فهذه العمليات كانت توفر تياراً مستمراً ومتصاعداً من تدفق السيولة على البورصة دون أن تتسبب في أي مخاطر تًذكر لأي جهة. فالعميل يشتري أسهماً لشركة أو شركات بعينها، ويعيد بيعها في البورصة في وقت قد يتراوح ما بين 5 دقائق إلى عدة أيام،حسب ما يراه هو صالحاً له لتحقيق أرباح استثنائية من الصفقة، أو لتحاشي حدوث خسائر من انخفاض سعر السهم. ولا يتحمل البنك بذلك أية مخاطر من جراء اتمام الصفقة باعتبار أنه يسجل على العميل المتمول قيمة ما اشتراه له من أسهم، وتكون لديه الضمانات الكافية لسداد العميل لمبلغ التمويل من راتبه أو من أية ضمانات أخرى. وبذلك تكون عمليات التمويل الإسلامي التي تعكس عادة نمو النشاط الاقتصادي في البلاد، قد بانت آثارها على حجم التداولات في البورصة، بل وانتقلت تلك الآثار إلى أسعار الأسهم فترتفع الرسملة الكلية لجميع الأسهم،وهو ما يعود بالفائدة على حملة الأسهم في المجمل.
ومن هنا فإن الاقتراح الذي أقدمه في هذا المقال يحتاج إلى مراجعة لعودة العمل بآلية التورق إذا لم تكن هناك موانع شرعية تحول دون العودة إليها. ومما يحفز على هذا الإجراء أن دولة قطر لديها عدد لا بأس به من البنوك الإسلامية في مقدمتها المصرف ثم الريان والدولي، وبروة، إلى جانب شركات التمويل المعروفة كالجزيرة وغيرها.
وقد يؤدي تطبيق مثل هذا الاقتراح إلى عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي في سوق العقار الذي ببدو أن الأسعار فيه قد تضخمت بأكثر مما تحتمله ظروف العائد والقيم الإيجارية للعقارات. وهذا التضخم ناشئ في جانب منه عن التركيز على استخدام العقارات في التمويلات وهو ما قد نعود لبحثه في مقال آخر. ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ،،،والله جل جلاله أجل وأعلم،،،
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع