في ظل عملية انتقال سلسة للسلطة في الصين والتي تمت في نوفمبر 2011 في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني على الحكم في الصين، فان أرقام الناتج الصناعي سجلت نموآ بمقدار 10.1 %، وفق أرقام نشرها المكتب الوطني للإحصاءات. ويشهد هذا المؤشر تحسناً مستمراً منذ آب (أغسطس) عندما وصل إلى 8.9 % ليسجل أدنى مستوى له منذ ثلاثة أعوام.
ووفقآ للبنك الاستثماري (HSBC)من المتوقع أن يبلغ النمو لثاني أكبر اقتصادات العالم نسبة 8.6 % ،وكذلك أكدت مؤشرات أخرى تسارع النمو ، فمبيعات التجزئة التي تشكل عماد استهلاك الأسر زادت بنسبة 14.9 % في نوفمبر 2012، في مقابل 14.5في المئة في تشرين الأول وذلك على أساس سنوي ؛ وأخيراً شهدت الاستثمارات برأس مال ثابت التي ساهمت في الماضي بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعاً في الأشهر الـ 11 الأولى من السنة بنسبة 20.7% .
وفي نفس السياق ولدعم النشاط الاقتصادي خفض المصرف المركزي الصيني منذ ديسمبر 2011 ثلاث مرات الاحتياط الإلزامي للمصارف وسمح لها بذلك بمنح مزيد من القروض وخفض نسبة الفائدة الأساسية لتشجيع المقترضين ؛ وأخيراً ولتجنب الدخول مجدداً في دوامة التضخم، امتنعت بكين عن إطلاق أي خطة إنعاش واسعة .
أما بالنسبة لليابان فانها على عكس جارتها اللدود الصين ، فان اليابان تعاني أصلآ من ركود حاد مع انخفاض كبير في معدلات التضخم مما أجبر طوكيو على اطلاق العديد من خطط الانعاش الواسعة بقيمة تصل الى 80 تريليون ين ، ومع دخول البنك المركزي الياباني كبائع للين في ظل انتهاج سياسة واسعة للتيسير الكمي وذلك بهدف خفض سعر صرف الين من أجل تشجيع الصادرات وانخفاض كبير في معدلات النمو الاقتصادي لا تراوح مستوى ال2%، و تدني معدلات الفائدة التي تصل الى صفر بالمئة .
وهو الأمر الذي لا تعاني منه بكين في ظل سياستها الحديدية في عدم اطلاق سعر صرف عملتها وتحديده بقيم شبه ثابتة أمام الدولار مستفيدة من الخطيئة الاستراتيجية الكبرى التي وقعت فيها اليابان في الثمانينات حينما سمحت باطلاق سعر صرف عملتها فارتفعت قيمة الين بشكل كبير مما أدى الى ارتفاع كلفة الصادرات التي تعتمد عليها اليابان كمحرك أساسي للنمو لديها .
وتأتي مسألة الصراع على بعض جزر بحر الصين المعروفة باسم سينكاكو في اليابان ودياويو في الصين لتلقي مزيدآ من الملح على الجرح الاقتصادي الياباني،حيث تمت مقاطعة العديد من البضائع اليابانية في الصين مما تسبب في انخفاض تحويلات المستثمرين اليابانيين وانخفاض الطلب على الصادرات اليابانية في الصين أكبر الشركاء التجاريين لليابان مما يفاقم من العجز التجاري الياباني خاصة في ظل ارتفاع فاتورة ورادات المحروقات من النفط والغاز والفحم بعد اغلاق العشرات من المفاعلات النووية اليابانية لمراجعة اجراءات السلامة بعد كارثة فوكوشيما.
وعليه فانه في اطار حجم تبادل تجاري يصل الى قرابة 345 مليار دولار .
ومع اعتماد الدولتين على الين واليوان في تبادلاتهما التجارية كبديل عن الدولار في اطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية البينية ، فان كلتا الدولتين تجدان أنفسهما مدفوعتين نحو العمل الجدي على تطوير علاقاتهما السياسية الى حل سلمي وموضوعي لمسألة الجزر المتنازع عليها وتجاوز الماضي الأليم الذي خلفته جراح الحرب العالمية الثانية وأحداث منشوريا وغيرها من قصص الاستعمار الياباني القديمة والتي مازالت تعلق في الذاكرة الجمعية الصينية بشكل خاص .
خاصة في ظل الاستثمارات اليابانية الضخمة التي تم ضخها في شرايين الاقتصاد الصيني خاصة في المجال الصناعي ، فحجم الاستثمارات اليابانية فى الصين بلغ 6.3 مليار دولار فى عام 2011 بزيادة خمسين فى المائة عن العام السابق عليه، بينما كانت الاستثمارات الأمريكية 3 مليارات دولار بانخفاض 26% خلال أعوام المقارنة نفسها .
بالاضافة الى أن استثمارات الشركات اليابانية على أعمال البحث والتطوير تبلغ أضعاف مضاعفة ما تنفقه الشركات الصينية ، مما يوجد مجالآ آخر للتعاون والتكامل الصناعي بين البلدين سواء من خلال شراء التكنولوجيا ومكوناتها أو من خلال الشركات اليابانية المستثمرة في الصين والتي يتركز استثمارها كما سبقت الاشارة في المجال الصناعي والتقني خاصة في ظل ارتفاع كلفة الصادرات اليابانية .
وفي نفس السياق العام من المتوقع أن يزداد الاستهلاك الصيني إلى 5.570تريليون دولار بحلول عام 2020، متفوقاً على الاستهلاك المحلي الياباني الذي يتوقع أن يبلغ حجمه 3.610تريليون دولار ، بالاضافة الى قيام اليابان بتخفيف قيود تأشيرات السفر على السياح الصينيين بغية زيادة عددهم من مليون سائح الى 1.8 سائح ويتوقع أن ينفق هؤلاء الصينيون حوالي 500 مليار ين مما يمثل دعامة اضافية للاقتصاد الياباني بالاستفادة من التقارب الجغرافي وانخفاض تكلفة النقل بشكل نسبي بين الدولتين اذا ما قورنت مع أغلب دول العالم ، كما زادت استثمارات رؤوس الأموال الصينية في اليابان لترفع نسبة مساهماتها اكثر من 611 مجموعة وشركة يابانية .
ومن ناحية أخرى كما أن ارتفاع معدلات الأعمار في اليابان فيما يعرف بشيخوخة المجتمع الياباني والتي تعاني منها اليابان منذ فترة طويلة نتيجة انخفاض معدلات المواليد الجدد وارتفاع اعمار السكان ، وهو ما سيمثل عامل ضغط على تكاليف المعاشات والتأمينات والضرائب مما يضعف الوضع المالي للخزانة اليابانية .
مما يدفع الحكومة اليابانية في النهاية الى ضرورة التفكير في البدائل المتاحة وتعظيم حجم عوائدها من الاستثمارات اليابانية في الخارج وفي الصين خصوصآ بوصفها الجارة الأكبر والأقرب والتي تتمتع بقدرات تنافسية هائلة في مجال رخص الأيدي العاملة وحجم السوق الصيني الهائل الصين الشريك التجاري الأول لليابان .
ان وضع خطط على مختلف الآجال لتطوير شبكة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من المؤكد أنه ستكون له انعكاسات كبيرة على معدلات النمو والاستثمار في منطقة شرق آسيا وتعزيز التعاون الاقتصادي ، وسيعطي بريقآ من الأمل ودفعة اقتصادية في تجاوز النفق المظلم الذي يعاني منه الاقتصاد الياباني وخطوة جديدة في طريق اعادة هيكلة الاقتصاد العالمي.