لا.. لهذا الصندوق السيادي

03/12/2012 3
سعود الأحمد

لا شك أن تكوين صندوق سيادي واستثمار فوائض الدخل كمصدر دخل مساند فكرة جميلة في مجملها. وذلك لمواجهة متطلبات الإنفاق الحكومي، وضمان تحقيق رفاه المواطن في حالة تذبذبات أسعار النفط بالأسواق العالمية.. باعتبار ذلك مبدأ تحوط لا غبار عليه. لكن مثل هذا التوجه يمكن أن نقول له (لا ونعم) في آن واحد! فإذا نظرنا إلى الهدف من تكوين الصندوق السيادي وجدناه ببساطة اقتصاديا بحتا. وبالتالي فالحسبة سهلة هنا. علينا أن نفاضل بين عوائد الاستثمارات المالية لصندوق سيادي (لا يُمس إلا في أقصى الحالات) مقارنة بعوائد الإنفاق المحلي في مجالات استكمال البنية التحتية (كتشييد الطرق والقطارات والمدارس والجامعات والمستشفيات) وبناء المشاريع الصناعية والتنموية الأخرى! وقبل ذلك علينا أن نحصر كل العوامل المؤثرة في هذا الخيار (وأهمها العوائد والمخاطر) مقارنة بالخيارات الأخرى والبديلة. ولعل الكفة ستميل هنا إلى تقليل الحماس لفكرة الصندوق السيادي.. لأكثر من سبب.

فعلى المستوى العربي والخليجي لدينا مجالات لمشاريع مشتركة أجدى وأنفع اقتصاديا، وكلها تحتاج إلى شيء من الإنفاق والتضحيات المالية لكي تؤتي ثمارها. ومن ذلك مشاريع التعاون الاقتصادي والسوق العربية والخليجية المشتركة والربط الكهربائي والقطار الخليجي المشترك والجسور البحرية والبرية بين الدول (إقليميا وعربيا).

وكلها مشاريع تنموية لها عوائد اقتصادية لو قورنت بخيار الصندوق السيادي والمخاطر التي تصاحبه، ربما لرجحت بكفته! ويكفي أن نعلم أن العائد المتوقع للقطار الخليجي يقارب 13.5 في المائة (بحسب تصريح نائب أمين عام مجلس التعاون الخليجي في يونيو «حزيران» 2010)! وفي السعودية لدينا عدد من مصانع السيارات التي ستزيد من الناتج القومي وتساهم في معالجة الفقر والبطالة. وعلينا أن نتذكر أن الطرق حول العاصمة الرياض وداخل المخططات السكنية لم تكتمل بعد. ولا يزال بعض أبناء المملكة يدرسون بمدارس مبانيها مستأجرة وغير مهيأة للدراسة. ولدينا أحياء سكنية كان من المخطط أن تصل إليها الخدمات بعام 1413 هجرية. وأعقب ذلك قرار مجلس الوزراء السعودي في جلسته بتاريخ 25 يناير (كانون الثاني) 2008، الذي أقر آلية إيصال الخدمات البلدية للمخططات المراد إيصال الخدمات إليها على مستوى مناطق المملكة، لكن الخدمات لم تصل بعد! ومن الطبيعي أنه يمكن بالمال التسريع بخطى بناء السكك الحديدية بين مدن ومحافظات المملكة. وهذا مبدأ استثماري مجدٍ،وسبق لي أن شبهت الفرصة الضائعة جراء تأخر بناء السكك الحديدية، بالخسارة التي يتكبدها شعب لديه شبكة سكك حديدية لو أنها تعطلت ولو ليوم واحد. وشبهت تطبيع هذا الأمر برسوب الطالب في المراحل الدراسية الأولية، وهو لا يدرك حجم الخسارة الحقيقية بأنه يساوي بالفعل الدخل الوظيفي لنفس الفترة.. وقس على ذلك.

ولا ننسى أن عجلة استثمار الاحتياطيات تسير حتى من دون الصندوق السيادي! ناهيك عما تعانيه الاستثمارات المالية العالمية من تدني عوائدها وما يعترضها من مخاطر تقلبات أسواق العملة وتذبذب أسعار الأصول. وأن أميركا التي ننشد الأمن الاستثماري فيها تعاني من تقلبات أسعار عملتها وأصولها. وأسواق المال العالمية ما زلت تئن من خسائر نكسة سندات الخزانة الأميركية (قبل قرابة عامين)! وهذه الأيام تطل علينا نكسة جديدة بسبب سندات فرنسا (الله يستر). مع أن تخفيض إنتاج النفط واحدة من استراتيجيات بناء الاحتياطي النقدي في صورة ذهب أسود مخزون في أعماق الأرض وحافز على رفع سعره في الأسواق العالمية.

وختاما.. إن تأييد فكرة الصندوق السيادي تذكرني ببعض نصوص القانوني البريطاني عندما يبدأ بعبارة يجوز كذا، ولكن. ثم بعد «لكن» تجد التحفظات في لوائح تفصيلية ترجعك إلى قوانين أخرى، والقوانين تؤسس على مفاهيم ومصطلحات ومبادئ وأعراف.. حتى تقتنع أن كلمة «يجوز» التي ذكرت في القانون ألغتها العبارات التي بعدها.