يبدو أننا في الدول الخليجية نتعامل مع فكرة نقل تقنيات الصناعة بذهنية لن تمكننا من تحقيق هدفنا في المستقبل المنظور! وهي فكرة ترتكز أساسا على الجدوى الاقتصادية المجردة، كأي مشروع سيحقق لصاحبه أرباحا شخصية «فقط»! وأضرب على ذلك مثالا، العراقيل التي توضع في وجه المحاولات الجادة لنقل تقنيات صناعة السيارات إلى الدول الخليجية بصفة عامة، والسعودية بصفة خاصة. فصناعة السيارات ونقل تقنياتها فكرة ليست جديدة علينا، أذكر أن أولها كانت مصانع سيارات النقل الثقيل لوكالة سيارات المرسيدس قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ومع ذلك لم تتطور هذه الصناعة لدينا بالشكل الذي يتواءم مع حاجتنا وتطلعاتنا لنقل هذه التقنية! والفكرة مستمرة والمحاولات كذلك، وخلال السنوات القريبة الماضية نسمع عن وكالات سيارات معروفة دوليا، وهناك مبادرات لصناعة سيارات من بعض مراكز ورش العمل والصناعة بالجامعات وغيرها من مراكز التصنيع. إلا أن الإعاقة «في نظري» تكمن في النظرة لهذه المشاريع، بأنها نفس النظرة التي ينظر بها لما يسمى بمصانع المرطبات أو العصيرات. وأقصد هنا مصانع تعبئة المرطبات؛ لأنني لا أعلم بوجود مزارع فواكه تغذي هذه المصانع. والكل يعلم (والعلم عند الله) أنها مجرد عجائن مركزة ومجمدة لعصائرتنتج في بيئات زراعية (تخفى علينا جودتها) ويتم تعبئتها في عبوات لتسوق على أنها محلية وطازجة. وللأسف السوق المحلية ووعي المستهلك وفكر الجهات الرسمية المشرفة على الصناعة، لا تفرق بين مثل هذه المصانع ومصانع السيارات. ولا أدري لماذا يغفل المعنيون أن في قيام مصانع السيارات لدينا عامل قوي لنقل تقنيات ومهارات هذه الصناعة. وأهم من هذا أن قيام مصانع السيارات فيه امتصاص لعدد وشريحة كبيرة من الأيدي العاملة وإذابة لمشكلة البطالة التي يئن منها الاقتصاد السعودي. ناهيك بأن صناعة تعليب المرطبات تختلف عن صناعة السيارات؛ لأن لدينا أهم عناصر صناعة السيارات، وهي المال والأيدي العاملة والأرض والحديد والنفط والمواني. ولو ركزنا في فكرنا على أهمية نقل تقنيات صناعة السيارات وتم دعمها من هذا المنطلق، حتى لو حققت خسائر في بداية عملها. واضطرت الحكومات لدعمها وتمويلها في بداية سنوات حياتها، فإن هذا المنحى ليس فيه خسارة على الاقتصاد الوطني، إلا أنها ستعود على الوطن والمواطن بالنفع على المدى المتوسط والطويل.
ويا ليتنا نستفيد من تجربة الأخوين «سي» و«يونغ شونغ» في مسيرتهم لتطوير صناعة سيارات «هيونداي».. هذه الصناعة التي صعدت كالصاروخ في أفق الأسواق العالمية لصناعة السيارات، ولمعت وأثبتت وجودها وهي ما زالت في عقدها الثالث من العمر. والتاريخ يشهد أنها مأخوذة عن تقنيات «فورد» وبمشاركتها بتأسيس مصنع لها منذ عام 1967م، عندما تم إنتاج سيارتي «كورتينا» و«غراندا» الكورية.. على أمل صناعة سيارات تكون للسوق الكورية. وبالفعل تم صناعة سيارة «بوني» الكورية، ومن نجاح إلى نجاح إلى أن صارت شركة «هيونداي» اليوم تغطي أسواق أوروبا وأميركا بملايين السيارات.
وختاما.. أؤكد على أننا بحاجة إلى تغيير فكرنا فيما يتعلق بتشجيع الصناعة المحلية، لنركز على منافع نقل التقنيات الصناعية، ونتعامل مع هذا التوجه على هذا الأساس.
إذا سمحت لي بضرب مثال آخر. - قطاع النفط ينشط عندنا من حوالي 80 سنة. هل استطعنا تطوير اي تقنية في إنتاج النفط ام مازلنا نعتمد على تقنيات الشركات المعروفة. - قطاع البتروكيماويات: بعد 30 سنة ما زالت تعاني من مشاكل مزمنة و كأن 30 سنة لم تكن كافية لإكتساب الخبرة في إنتاج البتروكيماويات بأعلى كفاءة ممكنة.