لقي الجزء الأول من هذا المقال صدى واسعاًبين القراء والمهتمين بالشان الاقتصادي القطري، وفي حين عبر البعض منهم عن موافقته وتأييده لما ذهبت إليه من تقييم للمشهد الاقتصادي في الداخل، فإن عدداً آخر من القراء قدخالفني الرأي واتهمني بالتشاؤم. والحقيقة أنني لم انطلق فيما قلته من فراغ بل من حصيلة ما جمعته من بيانات ومعلومات رسمية ومنشورة تقيس الأداء من زوايا مختلفة. ولقدعاصرت الاقتصاد القطري لنحو أربعين سنة متصلة منذ العام 1972، وتقلدت وظائف اقتصادية ومالية وإحصائية مهمة، تؤهلني لفهم مدلولات ما يصدر من بيانات عن الاقتصاد القطري. ولم يكن في ذهني وأنا أكتب المقال أن أنتقد المشهدلمجرد الرغبة في النقد، وإنماهو الحرص على الصالح العام لهذا البلد الذي أكن له كل حب وإخلاص وتقدير. ولقد تصادف يوم نشر المقال بجريدة الشرق،أن نشر رئيس تحرير الوطن السيد أحمد السليطي مقالاً مطولاً ومفصلاً عن المشهد الاقتصادي في الداخل، ولم يكن بيني وبين الأخ السليطي أي توافق على النشرحيث أنني لم أر سيادته منذ أكثر من 15 عاماً، وقد أسهب السيد السليطي في وصف تفاصيل المشهد الاقتصادي من زاويا عديدة، في حين اكتفيت أنا بقراءة موجزة لما تبوح به الأرقام المتاحة، وأغلبها صادرة عن جهات رسمية.
وبعودة سريعة لما ورد في المقال سنجد انني قد توقعت أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي في السنة القادمة تراجعاً-وليس تباطؤاً في النمو- انطلاقاً من انتهاء عمليات التوسعة في انتاج الغاز المسال،مع توقع انخفاض إنتاج النفط الخام،وعدم ارتفاع أسعار النفط بل انخفاضها إلى ما دون المائة دولار للبرميل. وهذه التوقعات النفطية تستند إلى ما يشهده الاقتصاد العالمي من تراجع أو تباطؤ في النمو منذ أن ارتفعت أسعار النفط، وهو ما سيترتب عليه انخفاض في الطلب،والتحول إلى بدائل أرخص كالغاز، في الوقت الذي تتوسع فيه الدول المنتجة للنفط كالعراق والإمارات والكويت في معدلات انتاجها النفطي.
وأشرت إلى ما يحدث خارج القطاع البترولي من تباطؤ في النمو تدلل عليه بيانات أرباح الشركات في الشهور التسعة الأولى من العام، وهي قد نمت بنسبة 1.88% فقط مقارنة بـما يزيد عن 20% في نفس الفترة من العام السابق. وذكرت أن عدد الشركات المساهمة تجمد عند42 شركة لأكثر من ثلاث سنوات، وأن عدداً من الشركات قدقام بتعزيز رؤوس أمواله بطرق شتى حتى تتمكن من تحسين الأداء في السنة القادمة. وتحدثت عن أحجام التداول في البورصة التي باتت لاتزيد عن 709 مليون ريال أسبوعياً مع تقلص الحجم يوم الخميس الماضي إلى 75مليون ريال فقط،إضافة إلى تراجع المؤشر العام بما نسبته 3.77% عن مستواه في بداية العام .
وتطرقت إلى السيولة المتاحة في الجهاز المصرفي من واقع البيانات التي ينشرها مصرف قطرالمركزي شهرياً، وأشرت إلى أن الإصدار الشهري المتتالي للأذونات قد أثر على السيولة المتاحة إلى الحد الذي باتت فيه البنوك تصدر سندات خارجية لتلبية احتياجاتها من السيولة. وأشرت إلى ارتفاع حجم الدين العام المحلي حتى نهاية شهر سبتمبر إلى نحو 336 مليار ريال، وهو ما قد يقلل من فرص التمويل المتاحة للقطاع الخاص.
وأشرت إلى وجود فائض كبير في الوحدات السكنية الشاغرة استناداً إلى البيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء،سواء منها ما يتعلق ببيانات التعداد العام أو بيانات أخرى مكملة، وأشرت إلى أن هذه الشواغر سوف تظل تضغط على معدل التضخم وتبقيه دون المستويات التي تنسجم مع وجود نمو اقتصادي، أي دون 3% سنوياً،وبما لا يزيد في المتوسط عن 2%. ولأن النمو في الوحدات السكنية الشاغرة يتعارض مع تباطؤ النمو السكاني، فقد بحثت في إحصاء السكان الذي ينشره جهاز الإحصاء شهرياً على موقعه، ووجدت أن العدد الكلي في نهاية شهر أكتوبر الماضي يقل بنحو 40 ألف عن مثيله في شهر يناير الماضي. وقد يكون الإنخفاض راجع إلى تزامن 31 أكتوبر مع فترة أواخر عطلة العيد، إلا أنه يظل مؤشراً على عدم نمو السكان على الأقل، ولو استمر هذا الاتجاه فإنه سيؤثر سلباً على القطاع العقاري وما يتصل به تمويل.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ وهو محاولة للتنبيه، ولدراسة الأمور بشكل متعمق لمعالجة ما قد يكون هناك من خلل في المشهد العام الذي نتمنى أن يكون في أحسن حال، مثلما هو الحال في المشهد الخارجي للاقتصاد القطري. والله جل جلاله أجل وأعلم،،،
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع