في حين تبدو الصورة الخارجية للاقتصاد القطري في علاقاته مع العالم مشرقة إلى حد كبير وبشكل متميز، فإن الصورة الداخلية له كما يعكسها أداء الشركات المساهمة، وأداء البورصة ومعدل التضخم ومعدل النمو السكاني وأرقام الجهاز المصرفي لا تنسجم مع الصورة الخارجية.
فالصورة الخارجية كما تشهد عليها بيانات أسعار النفط وأحجام صادرات قطر من النفط والغاز تضع قطر في مقدمة دول العالم التي تحقق فوائض مالية ضخمة. وبمثل هذه الفوائض، وفي ظل ظروف مواتية من حيث أسعار الأصول في الخارج راحت مؤسسات الدولة تستثمر في كل بقاع العالم بمبالغ كبيرة جداً لعل آخرها ما صرح به سعادة سفير قطر في باريس من اهتمام قطري باستثمار نحو 45 مليار ريال في فرنسا بمفردها. كما استفادت قطر من وضعها المالي المتميز، ومن انخفاض أسعار الفائدة عالمياً، فحصلت على مبالغ مالية ضخمة من خلال إصدار سندات وصكوك في الخارج بأقل التكاليف المتاحة، وتم توظيف هذه المبالغ في تحقيق المزيد من التوسع الاستثماري الخارجي. كما امتد هذا التوسع الاستثماري في الخارج ليشمل شركات مثل القطرية، وكيوتيل، والكهرباء والماء.
وهكذا فإن السنوات القليلة الماضية قد شهدت بروز نجم دولة قطر في العالم كواحدة من أهم الدول ذات الفوائض المالية الكبيرة في موازينها الداخلية والخارجية وذات سمعة وملاءة مالية ليس لها مثيل إلا لدى عدد محدود من الدول.
أما المشهد الاقتصادي الداخلي، فتبدو صورته متراجعة وضعيفة رغم ما قد يصدر بين الحين والآخر من تطمينات كحصول البورصة القطرية على جائزة أفضل بورصة في المنطقة، وحصول شركات أو بنوك محلية على شهادات بأنها الأفضل في المنطقة أو في العالم. وفي حين توقع تقرير حكومي عن الاستراتيجية الإنمائية الأولى 2011-2016 أن يكون معدل النمو الاقتصادي في عام 2013 صفراً، فإن تقارير أخرى باتت ترشحه أن يكون سالب 5%،
وذلك في ظل المعطيات التالية:
1- أن أسعار النفط والغاز غير مرشحة لمزيد من الارتفاع بل إلى تصحيح يهبط بها دون المائة دولار للبرميل، كما أن الكميات المنتجة ستكون مستقرة بعد أن وصل إنتاج الغاز المسال إلى ذروته.
2- أن أداء الشركات المساهمة بات يسجل تراجعاً فترة بعد أخرى بحيث انخفض نمو أرباح الشركات في 9 شهور إلى 1.88% بعد أن كان يزيد عن 20% في نفس الفترة من العام السابق. وقد كان التراجع حاداً في شركات قطاعي العقارات والتأمين، إلى الحد الذي استوجب إقامة تحالفات بين بعض الشركات وممولين كبار مثل قطر القابضة وصندوق التقاعد والمعاشات، إضافة إلى طلب زيادات كبيرة في رؤوس أموال عدد لا بأس به من الشركات.
وفي المقابل فإن السوق لم يشهد منذ عامين إنشاء أي شركات جديدة بعد مزايا، وتقلص إجمالي عدد الشركات المدرجة في البورصة إلى 42 شركة، بعد أن كان العدد ينمو بشكل مطرد حتى العام 2008.
3- أن أحجام التداول في البورصة قد انخفضت إلى مستويات متدنية في مثل هذا الوقت من السنة، حيث أنها تقل عن المليار ريال أسبوعياً وعن 145 مليون ريال يومياً، وهو ما يعني عزوف المستثمرين عن التعامل في البورصة، خاصة وأن المؤشر لا يزال دون مستواه في بداية العام بما نسبته 2.35%.
4- أن مستويات الدين العام المحلي قد ارتفعت بشدة في عام 2012 لتصل مع نهاية سبتمبر الماضي إلى 336.2 مليار ريال، منها 129.3 سندات وأذونات وصكوك، و 206.9 مليار ريال قروض وتسهيلات. وبذلك باتت القروض المحلية للحكومة والقطاع العام تشكل ما نسبته 45.7% من الإجمالي، مزاحمة القروض الموجهة للقطاع الخاص.
5- أن هناك فائضاً كبيراً في الوحدات السكنية الشاغرة لا يزال يضغط على أسعار الإيجارات رغم ما يبدو من تماسك في تلك الأسعار في الآونة الأخيرة لإحجام أصحاب العقارات عن التأجير بأسعار منخفضة. وتشير بعض التقديرات إلى أن الوحدات السكنية الشاغرة من الشقق والفلل فقط تزيد عن 36 ألف وحدة في الوقت الراهن. ومن أجل ذلك فإن معدل التضخم كان لا يزال دون 2% رغم ما تشهده الأسواق من ارتفاعات في أسعار بعض المواد الغذائية كالأسماك واللحوم وأسعار السلع والخدمات المختلفة.
6- أن عدد السكان الذي سجل ارتفاعات كبيرة في الفترة 2004-2011 بوصوله إلى 1.8 مليون نسمة قد تباطأ معدل نموه السنوي في الشهور الأخيرة بحيث أنه كان مع نهاية أكتوبر الماضي عند مستوى 1.75 مليون نسمة مقارنة بـ 1.795 مليون عند نهاية شهر مايو الماضي. ورغم أن تراجع عدد السكان عن المستويات العالية التي وصلها هو أمر إيجابي ويصحح وضعاً مغلوطاً في الأجل الطويل، إلا أن لهذا التباطؤ آثار سلبية على النشاط الاقتصادي العام وعلى أسعار العقارات وعلى القروض العقارية المصرفية في الأجل القصير.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ،،،،،والله جل جلاله أجل وأعلم،،،
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع