اطلعت على تعليق المستشار القانوني محمود الألفي على مقالي (على الموقع الإلكتروني لجريدة «الشرق الوسط») الاثنين الماضي بهذه الزاوية، والذي كان بعنوان «إنه غياب تنظيم سداد الديون!»، وأشكره على تأييده للفكرة ومقترحه بإصدار تشريع ينظم عمل شركات التحصيل بما يحقق الهدف من وجودها، وبما يضمن حقوقها وحقوق أصحاب الحقوق والمدينين. أما بخصوص ملاحظته بصعوبة مطالبة المدينين المماطلين بتكاليف التقاضي، لتقوم بهذا الدور هيئة الرقابة والتحقيق العام، فإن الأمر فيه تفصيل.
فلو نظرنا للأطراف المتضررة من مماطلة المدين المليء وإطالة أمد القضية (ولمدة قد تصل إلى سنوات)، فإن العميل ليس وحده المتضرر من هذه المماطلة، بل المجتمع والاقتصاد الوطني يتضرران (أيضا) من ذلك. صحيح أن المدين هو المتضرر الأول (والأهم)، لكن هذا الجانب يمكن حله إذا أدخل في القضية طرف آخر وهو شركة التحصيل. لأن شركة التحصيل ستصبح طرفا يستحق له حق مالي نظير مجهوده لمتابعة تحصيل المديونية.. على المدين بعد أن يثبت الدين، أو على الدائن (المدعي) إن لم يثبت له حق! لكن هناك طرفا آخر يتحمل تكاليف كبيرة من رفع هذه القضايا لمجرد التهرب من دفع الحقوق وكسب الوقت، ألا وهو المجتمع والاقتصاد الوطني، والجهات الرسمية التنفيذية والقضائية على اختلاف مستوياتها وأنواعها واختصاصاتها.. وكل هذه الحقوق (بطبيعة الحال) من قبيل الحق العام. ولا أريد الخوض في ما يحصل من تفاصيل وإجراءات داخل هذه الجهات الرسمية، لكنني أركز على أن سببها في الأساس مماطلة وتهرب المدين من أداء ما يعلق بذمته، لأن المدين لو دفع ما عليه لما بذلت هذه الجهات الرسمية هذه الجهود وتحملت الحكومات هذه المبالغ الضخمة لتشغيل هذه الجهات الرسمية بهذا الحجم والكيف! ومن البديهي فإن الخصم الشريف لا يحتاج إلى متابعة شركة تحصيل ولا إلى تبليغ محضر. ولذلك فالذي أعتقده أن العميل المماطل يجب أن يتحمل كل الآثار المادية التي تحصل نتيجة هذه المماطلة، خصوصا في القضايا الواضحة التي يفترض أنها لا ترفع، والتي معلوم لدى القضاة أن سبب رفعها مجرد مماطلة العميل. ومثل ذلك القروض الحسنة (الأسلاف)، فهذه منها ما يكون لمجرد مساعدة المدين (فزعة) أو إيجارات المساكن التي تتأخر إلى أن يضطر الدائن للشكوى لدى الجهات الرسمية، ويثبت أن المدين مليء مماطل!.. ويمكن وضع مقاييس لضبطها وتجريم مرتكبها وتغريمه عن كل ما تتسبب فيه هذه المطالبات من تكاليف سواء كانت على الدائن أو على المجتمع والاقتصاد الوطني أو على الجهات التنفيذية والقضائية. وبهذا الصدد فقد سبق لي كتابة مقال حول هذا الموضوع بعنوان «مجانية التقاضي ضيعت الحقوق». ركزت فيه على هذه النقطة.
وبالمناسبة.. فإنني أقدر مجهود وزارة العدل، في استفادتها من الجانب التقني للرفع من مستوى القضاء. حيث أطلقت الأسبوع الماضي خدمة تحديد مواقع الخصوم بقراءة الإحداثيات عبر الأقمار الصناعية، لتسهيل مهام المحضرين في الوصول إلى مواقع أطراف الدعاوى. وهذا المشروع له علاقة بموضوع الحق العام في القضايا الكيدية والتي تتداول في الجهات القضائية والتنفيذية بسبب تلاعب وتهرب ومماطلة بعض الأطراف من الحضور للتملص من أداء الحقوق! فمثل هذه الجهود تكلف الدولة مبالغ لا يستهان بها، ولذلك فإن من الطبيعي أن يتحمل آثارها المتسبب فيها، ومن باب أن مطل الغني ظلم. وأخيرا.. علينا ألا نغفل الآثار السلبية على المجتمع والاقتصاد الوطني.. فهذه المماطلات التي تفتقد إلى تشريع يلجمها تعطي صورة سلبية عن بيئة الاقتصاد المحلي، وتجعل الناس يعزفون عن عمل الخير، مما يذهب العرف بين الله والناس، ويتسبب في تعطيل مصالح وحقوق رجال المال والمستثمرين. وهذا بطبيعة الحال من أسباب مهاجرة رؤوس الأموال والمستثمرين، أو (على الأقل) رفع نسب مخاطر الاستثمار المحلي!