تنظيم إعلانات الشركات المدرجة

08/10/2012 7
د. فهد الحويماني

 

تفرض هيئة السوق المالية تعليمات دقيقة بشأن إعلانات الشركات المدرجة في السوق السعودية من حيث صيغة الإعلان ومضمونه، وما يجب أن يحتوي عليه من معلومات حسب طبيعة الإعلان، وذلك تماشياً مع قواعد التسجيل والإدراج، ما يعزز من مستوى الشفافية ويمنع اللبس والتشويش لدى المستثمرين ويحد من الإعلانات المضللة أو تلك التي تخفي جزءاً من المعلومة. هذه المبادرة حقيقة تحسب لهيئة السوق المالية التي أصدرت هذه الضوابط في عام 2008 ومن ثم قبل أسبوعين قامت بتعديلها لتشمل مزيدا من الإيضاح فيما يتعلق بالأحداث الجوهرية والرد على الشائعات ومضمون العناصر الأساسية لإعلانات النتائج المالية للشركات، والإفصاح عن المشاريع، إلى جانب عدد من النماذج التي تبين كيفية الالتزام بهذه التعليمات. وبحكم أن هذه التعديلات تعتبر النسخة الثالثة لهذه الضوابط، كان بودي أن تخرج هذه التعليمات بضوابط أخرى مهمة نتطرق لها فيما يلي:

حقيقة أهم شيء ينقص ضوابط إعلانات الشركات، وهو من الأرقام المهمة التي يحتاج إليها المستثمر بشكل عام والمحلل المالي بشكل خاص، هو مقدار المبيعات أو الإيرادات لأي شركة أو مصرف أو شركة تأمين، حيث إن ذلك لا يظهر في الإعلانات بل على الشخص الانتظار حتى تنشر القوائم المالية لمعرفة ذلك. ومن المعروف في التحليل المالي أن بيان الربح يخضع لاعتبارات عديدة وتقديرات محاسبية يمكن أن ترفع الربح أو تخفضه، بينما المبيعات تعتبر من الأرقام الموضوعية التي من الصعب التلاعب بها، فتكون من المؤشرات المهمة لأداء أي شركة. على سبيل المثال، نجد أن صافي الربح يتأثر سلباً أو إيجاباً بالطريقة المحاسبية المستخدمة في استهلاك الأصول، وكذلك يتأثر سلباً أو إيجاباً في الطريقة المستخدمة لإدارة المخزون أو تلك المستخدمة في احتساب تكلفة تمويل الأصول، وغير ذلك. وبحكم أن رقم المبيعات متاح لهيئة السوق المالية من ضمن البيانات الأخرى، فيكون من المناسب جداً نشره من ضمن إعلان النتائج المالية.

وأمر آخر يتعلق بالمبيعات وأتمنى أن تقوم الهيئة بإلزام بعض الشركات به، وهو إلزام شركات التجزئة التي لديها فروع قائمة وتقوم بفتح فروع جديدة بين الحين والآخر، بألا تكتفي بنشر إجمالي المبيعات للفترة، بل تقوم بمقارنة ارتفاع المبيعات للفرع الواحد، وليس بالضرورة أن يظهر ذلك في إعلان النتائج بحد ذاته، ولكن من الضروري وجوده في تقارير النتائج المالية. والهدف من مقارنة مبيعات الفرع الواحد هو لإعطاء المستثمر تصوراً كاملاً عن نمو المبيعات الحقيقي، حيث إن من الطبيعي أن ترتفع مبيعات شركة قامت بفتح عدد من الفروع لها خلال العام، بينما المهم معرفة نمو المبيعات لكل فرع، أو متوسط النمو للفروع، خصوصاً أن فتح المزيد من الفروع يؤثر أحياناً بشكل سلبي في الفروع القائمة. أتمنى كذلك أن تحتوي التعليمات على قيام الشركة بتحديد اليوم الذي ستعلن فيه النتائج المالية منعاً للتكهنات وانتشار الشائعات التي تظهر أحياناً عندما يطول انتظار المستثمرين لمعرفة النتائج.

وبينما نجد أن الهيئة قامت بجهد كبير في توحيد صيغ الإعلانات وغيرها من تعليمات، إلا أن هناك أمراً آخر يتعلق بالإفصاح والشفافية لو بادرت به هيئة السوق المالية فسيكون له تأثير كبير في مستوى الشفافية وتكافؤ الفرص بين المتعاملين والحد من التداولات المبنية على معلومات داخلية. هذا الأمر يتعلق بالبيانات المالية أو الاقتصادية الصادرة من جهات أخرى، غير الشركات ذاتها، وهي عادة تكون من البيانات المهمة التي تؤثر بشكل مباشر في سوق الأسهم والشركات العاملة فيه. على سبيل المثال، هناك البيانات المتعلقة بميزانية الدولة أو الناتج المحلي الإجمالي أو نسبة البطالة، أو تلك التي لها علاقة واضحة بسوق الأسهم، مثل معدل سعر الفائدة الذي تنشره مؤسسة النقد، أو أي إعلان بخصوص معونات للمزارعين أو تغيرات في التعرفة الجمركية أو منع التصدير أو أي اشتراطات بلدية جديدة أو ضوابط معينة من قبل وزارة التجارة أو غيرها من الجهات. والمطلوب هنا أن تمارس هيئة السوق المالية حقها النظامي، ربما من خلال الرفع للمقام السامي بتنظيم معين يشترط على الجهات التي تمتلك معلومات من شأنها التأثير في السوق المالية أن تقوم بالتنسيق مع الهيئة من حيث صيغة الخبر وتوقيت نشره. وهذا التوجه حقيقة يمارس في دول كثيرة، حيث نجد أن إعلان نسبة الفائدة، على سبيل المثال، يتم في قاعة مغلقة أمام عدد من الصحافيين والمختصين الذين يمنحون دقائق معدودة لاستيعاب الخبر ونشره في وقت واحد على الملأ. فمن الضروري أن تتم السيطرة على الجهات الحكومية التي تمتلك معلومات جوهرية وذات تأثيرات بالغة في سوق الأسهم، ذلك لأنه من الممكن أن تدور المعلومة بين عدد من الأشخاص واللجان وتناقش في أكثر من مكان، وربما يعد خطابا لأمر جوهري ويبقى الخطاب في حوزة سكرتير أو رئيس إحدى اللجان قبل أن يصدر رسمياً في وقت لاحق.

نقطة أخيرة تخص كثرة قيام الشركات بتصحيح إعلاناتها لأسباب لغوية أو لأخطاء في الأرقام ونحوها، ويأتي التصحيح أحياناً فوراً وأحياناً بعد يوم أو يومين، وفي هذا خلل كبير قد يؤدي لقيام المستثمر باتخاذ قرار خاطئ بناء على ما فهمه من الإعلان. وإن كانت هناك من عقوبة مستحقة، فالأولى أن تكون بسبب نشر معلومات غير دقيقة في الإعلان وتعاقب عليها الشركة فوراً.

وختاماً .. هذه الضوابط الجديدة سيبدأ العمل بها مع بداية العام الميلادي الجديد، وهي بلا شك تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام، وكما تم ذكره، حبذا لو قامت الهيئة بتعزيز هذه التعليمات بتضمين المبيعات في إعلان النتائج واشتراط مقارنة مبيعات شركات التجزئة على مستوى الفرع، وقيام الهيئة بالتنسيق مع الجهات الحكومية التي تمتلك معلومات مؤثرة بخصوص آلية نشر المعلومات لتحقيق العدالة والشفافية المطلوبة.