برنامج شراء السندات الأوروبي: هل هو برنامج إنقاذ حقيقي أم مجرد شراء للوقت؟

18/09/2012 0
محمد جلال

التعريف:

هو أحد أدوات تطبيق السياسة النقدية الخاصة بالبنك المركزي الأوروبي (يندرج تحت السياسة الكمية و هو نوع من أنواع عمليات السوق المفتوحة) ويعني حقوق الشراء مباشرة من السوق الثانوي و بدون قيود و يطلق عليه “التعاملات النقدية المباشرة” و يعرف اصطلاحا باللغة الانجليزية ” Outright Monetary Transactions (OMTs)”و هو عبارة عن برنامج لشراء السندات السيادية من دول منطقة اليورو في السوق الثانوي.

الغرض:

الهدف الأساسي للبرنامج هو خفض تكلفة الاقتراض أو معدل العائد على السندات السيادية في السوق الثانوي.

قيمة البرنامج (التغطية):

البرنامج غير محدد القيمة و البنك المركزي أقر بعمليات شراء غير محدودة للسندات.

أجل السندات:

البرنامج يستهدف شراء السندات ذات أجل (استحقاق) من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، و كذا السندات طويلة الأجل التي بقي من عمرها ثلاث سنوات فأقل.

الإدارة و الإشراف:

1- البنك المركزي الأوروبي:

البنك المركزي الأوروبي هو الوحيد صاحب القرار النهائي فيما يتعلق بإدارة البرنامج و قيمة الشراء و تبعية السندات لدولة ما و الحق في إلغاء عملية الشراء ووقف أو تعليق البرنامج كلياً.

2- صندوق النقد الدولي:

البنك الأوربي يفضل وجود صندوق النقد الدولي “كمشرف فني” حيث يقوم بتصميم سياسات مالية للدول التي وافق البنك على شراء سنداتها، و كذا يقوم الصندوق بعملية الرقابة على تلك السياسات، وليس له أية سلطة أو الحق في اتخاذ أية قرارات تتعلق بالبرنامج.

حقوق الدائنين:

البنك المركزي الأوروبي سوف يعامل على قدم المساواة مع المستثمرين (الدائنين) في حالة إفلاس أحد الدول مصدرة السند، بمعنى أن البنك الأوروبي لن يحصل على امتياز في الحصول على حقوقه قبل المستثمرين (الدائنين) في حالة إفلاس مصدر السند.

امتصاص السيولة (تعقيم النقود)

تتضمن آلية البرنامج تنفيذ عملية (تعقيم النقود) وهو إجراء يتخذه البنك المركزي للحفاظ على مستويات التضخم الذي يتأثر بفعل عمليات شراء السندات و ضخ السيولة في الأسواق (ارتفاع العرض النقدي). وقد يعتمد البنك المركزي في تطبيق تلك الآلية على رفع سعر الفائدة (سعر فائدة ثابت) على ودائع البنوك لديه في المزاد الأسبوعي ومن ثم يستطيع البنك المركزي سحب السيولة الزائدة داخل النظام المالي و بنفس القدر الذي نتج عن عملية شراء السندات.

على الرغم من أن تلك العملية تحاول التحكم في مستويات التضخم لكنها تخلق “تضخم مؤجل” و ذلك عندما يقوم البنك المركزي بإعادة الودائع مرة أخرى إلى البنوك عند استحقاقها مضافا إليها سعر الفائدة (العائد).

الشفافية (العرض و الإفصاح)

يقوم البنك الأوروبي بالإفصاح عن الحجم الإجمالي للبرنامج (حجم و قيم عمليات الشراء) و قيمته السوقية بشكل أسبوعي، و على المستوى الشهري يتم الإفصاح عن أجل أو استحقاق السندات المشتراة (لأجل عام واحد إلى ثلاث أعوام)و ماهية الدولة المشترى سنداتها سوف يكون بشكل شهري.

شروط تفعيل البرنامج

حتى يتم تفعيل البرنامج يجب على الدولة التي تحتاج إلى ذلك البرنامج أن تتقدم بشكل رسمي لطلب المساعدة من “صندوق الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF)/ صندوق آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM)” و بعد أن تحصل على الموافقة يقوم البنك الأوروبي بتفعيل البرنامج و شراء سندات تلك الدولة، و يشترط أن تخضع الدولة لإصلاحات مالية (خفض الدين العام و عجز الموازنة) جادة و أن تلتزم بتلك الإصلاحات و في حالة التقاعس يحق للبنك إيقاف البرنامج على الفور.

جدير بالذكر أن البرنامج يحتوي على شقين الأول إصلاح مالي و اقتصادي كامل بالنسبة للدول التي حصلت بالفعل على مساعدات من صندوق الاستقرار الأوروبي على غرار اليونان البرتغال و أيرلندا، أما الشق الثاني وهو أقل في الشروط (البرنامج الوقائي) وهو أقل صرامة عن البرنامج الأول موجه لدول المساعدات مثل إيطاليا و أسبانيا.

لماذا اتجه البنك المركزي الأوروبي إلى تطبيق برنامج مثل هذا؟

قد يعتقد البعض أن هذا البرنامج جديد من نوعه و أن البنك قد استحدث آلية جديدة و فاجأ بها الأسواق، لكن في الحقيقة هذا البرنامج لم يكن إلا نسخة معدلة من برنامج شراء الأصول (SMP) Securities Market Program و الذي لم يحقق أي نجاح يذكر في خفض تكلفة الاقتراض في سوق السندات لمستويات ما قبل الأزمة.

البرنامج القديم (SMP) تم الإعلان عنه يوم 10 مايو 2010 بعد سلسلة أحداث هامة بدأت من اليونان التي تأثرت بشدة من جراء حدوث أزمة السيولة من جراء انهيار بنك ليمان براذرز في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر /أيلول عام 2008 (انفجار الأزمة المالية العالمية) و أدى ذلك إلى ارتفاع العائد على السندات السيادية الأوروبية و بالتبعية على سندات اليونان الحكومية هذا بجانب ضعف الارتباط بين العائد على السندات الأوروبية و مثيلتها اليونانية بعد أن كانت الأخيرة تتبعها لعقود أي أصبحت السندات اليونانية تسير في اتجاه منفصل عن مثيلتها الأوروبية (ومن ثم ازدادت فروق العائد بينها و بين مثيلتها الأوروبية).

ولم يتوقف هذا الأمر عند هذا الحد بل تسارع هذا الانفصال أو ضعف الارتباط بين السندات اليونانية و السندات الأوروبية بداية من 5 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2009 عندما تم تسليط الضوء على وجود تناقض بين بيانات الدين المصدرة عن الحكومة و التي تم تقديمها إلى المؤسسات الأوروبية، إذ قامت الحكومة بتعديل عجز الموازنة ليبلغ 12.7% متضاعفا مرتين عن ما أعلنته من قبل، و امتد تسارع بزوغ الأزمة في الشهرين التاليين عندما صدر تقرير من المفوضية الأوروبية ذكر فيه أنه حدثت حالة تزوير في البيانات الإحصائية الخاصة بالحكومة اليونانية.

احتدم الأمر في ابريل/نيسان 2010 عندما لم يعد بإمكان الحكومة اليونانية الحصول على ائتمان من الأسواق المالية في الوقت الذي يتوجب عليها أن تسدد ديون جاء معاد استحقاقها في الربع الثاني من عام 2010 وهنا دق ناقوس خطر إفلاس أحد أعضاء منطقة اليورو.

الأمر استدعى اجتماعا على المستوى الدولي بين الاتحاد الأوروبي و البنك المركزي الأوروبي و صندوق النقد الدولي لوضع حلول للأزمة من ضمنها فرض خطط تقشفية يجب على الحكومة اليونانية، و بات من الواضح أن الأزمة ليست فقط في اليونان بل امتد ارتفاع العائد على السندات السيادية لكلا من البرتغال و ايرلندا (جميع هذه الدول حصلت على حزم مساعدات دولية فيما بعد) وهو ما زاد من عدم ثقة المستثمرين في السندات السيادية الأوروبية و بالتالي بداية موجة تصاعدية للعائد على السندات.

في نهاية البداية استقر القادة الأوروبيين على إنشاء “صندوق الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF) في التاسع من مايو/أيار 2010 و بعدها بيوم واحد أعلن البنك الأوروبي عن برنامج شراء الأصول “السندات السيادية” (SMP) “وهذا تدخل من قبل البنك في الأسواق لاحتواء و تهدئة المخاوف في الأسواق” و الهدف الأساسي منه خفض تكلفة الاقتراض (العائد على السندات السيادية) بالتوازي مع تفعيل الصندوق السابق الإشارة إليه.

أهم تعديلات البرنامج الجديد

برنامج شراء الأصول الأول (SMP) كان محدود القيمة (210 مليار يورو) و بالتالي لم يتمكن في تحقيق الهدف المراد منه وهو “خفض تكلفة الاقتراض للدول المتعثرة” أو “خفض العائد على السندات السيادية” لذا البرنامج الجديد ينطوي على عمليات شراء غير محدودة للسندات حتى يتم تحقيق الغرض المطلوب.

أيضا كان به بعض العيوب و التي تم تلافيها في البرنامج الجديد منها وضع البنك الأوروبي على قدم المساواة مع باقي الدائنين وهذا يعني أن دخول البنك الأوروبي في السوق الثانوي للسندات ينطوي على مخاطر مرتفعة و بالتالي توجب على البنك أن يتلافى شرط أن يكون أول من يحصل على حقوقه حال إفلاس دولة ما و بالتالي تشجيع المستثمرين على الدخول في عملية الشراء.

ومن حيث الشفافية فقد كان البرنامج القديم غير متاح له بيانات دقيقة و بشكل دوري يمكن المحللين و المستثمرين في الأسواق من الحصول على معلومات مثل وقت التدخل في الأسواق و إتاحة المعلومات بشكل دوري للأسواق.

وفي السادس من سبتمبر/أيلول 2012 تم وقف برنامج (SMP) و تحويل كافة حساباته و أرصدته إلى البرنامج الجديد (OMTs).

ورق وحبر و مطبعة … أم “تسييل الديون”

حتى لا تختلط الأمور فإن نوعية هذه البرامج ضمن السياسة النقدية للبنك لا تتضمن طبع أوراق بنكنوت جديدة و يتم ضخها في الأسواق مباشرة أو كما يعرف اصطلاحا (سياسة التخفيف الكمي) لكن تعتمد هذه السياسة على إعادة توظيف السيولة في الأسواق بحيث أن البنك سوف يعتمد على الاحتياطيات التي لديه في عملية الشراء أو بيع أصول مالية أو كما أسلفنا سابقا في “تعقيم النقود”.

و إن كانت عملية شراء البنك المركزي للسندات السيادية من السوق الثانوي تعتبر “تسييل للديون” و تعنى في مفهومها البسيط تمويل البنك المركزي لعجز الحكومة.

كيف يتم ذلك و القوانين تمنع البنك المركزي الأوروبي من تمويل الحكومة مباشرة و شراء السندات السيادية من السوق الأولي (سوق الإصدار) ؟

الأمر بسيط لأن القوانين و الاتفاقيات المنظمة لعمل البنك المركزي الأوروبي لا تمنع قيام البنك بالدخول في عمليات شراء أو بيع للأصول المالية في السوق الثانوي (البورصات) وهو حق أصيل للبنك وفقا لوظائف السياسة النقدية لديه (عمليات السوق المفتوحة).

لذا فإن البرنامج لا يخل بالاتفاقية صراحة لكن فيما يبدو أن البنك المركزي الأوروبي قام بالالتفاف حولها و ذلك من جانبين الأول هو استخدام البنك للموارد لديه و توجيه شراء سندات سيادية في السوق الثانوي لدول ذات تعثر مالي بشكل خاص، و الجانب الثاني هو أن البرنامج مشروط بموافقة 17 دولة (أعضاء منطقة اليورو) بمعنى آخر حتى يتم تفعيل البرنامج يجب أن يتم الموافقة أولا على تفعيل “صندوق الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF)/ آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM) “و تقديم حزم المساعدات المطلوبة للدولة المتعثرة.

و في هذه الحالة تحدث الواقعة المنشئة لمصطلح “تسييل الديون” الذي يعني قيام البنك المركزي بتمويل عجز الحكومة على خطوتين: الخطوة الأولى – تقوم الحكومة بإصدار سندات و طرحها في السوق الأولى ، و الخطوة الثانية يدخل البنك المركزي كمشتري لتلك السندات في السوق الثانوي و بالتالي أصبح السند في حيازة البنك المركزي و كأنه قد قام بتمويل الحكومة منذ البداية و إن كان في هذا البرنامج الجديد (OMTs) لن يقوم البنك بطباعة ورق بنكنوت جديد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الفرق بين سياسة التخفيف الكمي و تسييل للديون هو الغرض الذي تم توظيفه هذه السياسة له، فإذا كان الغرض هو تحفيز الاقتصاد و مستويات النمو فكان ذلك ضمن أهداف سياسة التخفيف الكمي، أما إذا كان الغرض هو تمويل عجز الحكومة فكان ذلك “تسييل للديون”.

ولمعرفة ما إذا كان البنك يقوم بعملية “تسييل الديون” إذا استمر البنك في شراء السندات السيادية في الوقت الذي يكون فيه التضخم أعلى من المستوى المستهدف و الحكومة مصدرة السند تعاني من مشكلات في التمويل وذلك حسب تعريف البنك الفيدرالي في “سانت لويس” –الولايات المتحدة الأمريكية- لعملية “تسييل الديون” المنشور الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني.

كما تحدث أيضا رئيس البنك الفيدرالي في ولاية دالاس السيد “ريتشارد.و.فيشير” بأنه عندما يضع البنك المركزي عائد السندات السيادية ضمن أولوياته في ظل وجود عجز للموازنة، يتزايد القلق على الفور بمسألة “تسييل الديون”.

المخاطر المتعقلة بتنفيذ بالبرنامج

تتمثل مخاطر البرنامج في عدة عوامل يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- قدرة البنك المركزي على زيادة الودائع لديه

وفقا لما أعلنه البنك الأوروبي بأنه سوف يقوم “بتعقيم النقود” و بافتراض انه سوف يستخدم نفس الأسلوب الذي استخدمه أثناء تطبيق البرنامج القديم (SMP) ً من حيث وضع سعر فائدة ثابت مرتفع على الودائع لأجل أسبوع في مزادات تنفذ أسبوعياً، و هذا الأمر ينطوي على جانبين قد يؤثر على ضعف البنك في سحب السيولة من الأسواق توازي نفس الكمية التي تم ضخها عند شراء السندات السيادية في السوق الثانوي و بالتالي عدم السيطرة على معدلات التضخم بفعل ازدياد العرض النقدي في الأسواق.

الجانب الأول من المشكلة هو عدم قدرة البنك الأوروبي على دفع البنوك المصرفية بمنطقة اليورو في وضع الودائع لديه في ظل انه في حالة رفع سعر الفائدة على الودائع سوف تكون منخفضة فيما إذا قورنت بأن البنوك المصرفية تستطيع استخدام تلك السيولة التي لديها بالتوسع في عمليات الائتمان للأفراد و الشركات و بالتالي تحقيق ربحية أعلى من وضعها لدى البنك الأوروبي و من ثم عدم وجود حافز مغري لدى البنوك في وضع ودائع لدى البنك المركزي.

الجانب الثاني يتمثل في أجل الوديعة نفسه – ودائع لأجل أسبوع- و يعني أنه بافتراض أن البنك استطاع سحب السيولة من البنوك سوف يكون لمدة سبعة أيام فقط، و هنا تنتج مشكلتين: الأولى هو إعادة البنك للوديعة بعد أسبوع وقد تكون فترة غير كافية دون التأثير على العرض النقدي وذلك مقارنة بالودائع طويلة الأجل التي سوف يظهر تأثيرها بعد فترة طويلة (إنشاء تضخم مؤجل)، هذا بالإضافة دفع العائد على تلك الودائع و بالتالي التأثير على التضخم.

2- حق الفيتو و الرفض

لما كان البرنامج تابع “لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF)/ آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM) ” و بالتالي فإن مدى نجاح البرنامج يعتمد على استمرار و استقرار (EFSF) و (ESM) من الناحية القانونية و العملية.

فعلى الرغم من إقرار المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا بشأن دستورية صندوق الاستقرار الأوروبي في 13 سبتمبر/أيلول 2012 إلا أن القرار جاء مشروطاً بمدى موافقة البرلمان الألماني في ما إذا تم الاضطرار إلى زيادة حجم الصندوق. إذ أن حصة ألمانيا تبلغ 190 مليار يورو من الصندوق (جدير بالذكر أنه تم إنشاء الصندوق و المساهمة في تمويل على أساس نسبة حصة كل دولة بمنطقة اليورو في رأس مال البنك المركزي الأوروبي و تبلغ حصة ألمانيا 27%).

و بالتالي يتبادر إلى الأذهان ماذا يحدث لبرنامج شراء السندات إذا لم يوافق البرلمان الألماني على إقرار زيادة مستقبلية للصندوق؟

3- مدى الالتزام ببرامج الإصلاح المالي

من ضمن شروط البرنامج الالتزام الكامل بتنفيذ برامج الإصلاح المالي و الاقتصادي حتى يتم الحصول على حزم مساعدات من صندوق الاستقرار المالي و كذا تفعيل البرنامج و شراء السندات من السوق الثانوي.

لكن ماذا يحدث لو أنه تمت الموافقة بالفعل على دولة ما و أثناء مسيرة الإصلاح المالي حدث خلل أو ظروف خارجية أو ضغوط سياسية و اجتماعية داخلية أعاقت أو أخرت تنفيذ شروط المساعدات (حالة اليونان على سبيل المثال). هل سيوقف البنك الأوروبي البرنامج بعد أن قام بعمليات شراء للسندات؟ هل سيترك البنك المركزي حدوث ارتفاع للعائد على سندات تلك الدولة المتعثرة؟ إذا كيف سيساهم في حل الأزمة و المساعدة في خفض تكلفة الاقتراض؟

رد فعل الأسواق المبالغ فيه

المتابع للمواقع الإخبارية المالية يعتقد أن اليورو لاقى دعم قوي من جراء إقرار ذلك البرنامج، لكن في الحقيقة ارتفاع اليورو من مستويات 1.2500 مخترقا المستويات النفسية عند 1.3000 بعد الإعلان عن البرنامج لم يكن إلا بسبب ضعف الدولار الأمريكي وليس أكثر من كون ذلك قوة للعملة الأوروبية و إن كان تسعير الأسواق للبرنامج مبالغاً في ما نعتقد.

بالنسبة للعائد على السندات السيادية خاصة للدول أكثر قربا من طلب المساعدة الدولة مثل إيطاليا شهد انخفاض في أول مزاد يقام بعد الإعلان عن البرنامج الجديد، العائد على السندات لأجل 12 شهر انخفض إلى 1.692% مقارنة بنسبة 2.767% في المزاد السابق أما بالنسبة لأجل ثلاث شهور فقد تراجع إلى 0.7% من 0.865% للمزاد السابق.

و حتى تاريخ كتابة هذه الدراسة لم تقوم أسبانيا بعمل مزادات بعد الإعلان عن البرنامج الجديد، لكن الملاحظ هو وجود ارتفاع على عائد السندات السيادية لديها (في السوق الثانوي) لاسيما ذات أجل عامين. و هنا يكمن التساؤل؟ لماذا ارتفع العائد بعد أسبوع فقط من قرار البنك الأوروبي على الرغم من تراجعه فور الإعلان عن البرنامج الجديد؟

الأمر واضح.. إنه بسبب استمرار الحكومة في التمنع عن طلب المساعدات الأوروبي و بالتالي يتبادر الشكوك لدى المستثمرين في الأسواق حول ما إذا سوف تقوم ايطاليا و اسبانيا بطلب المساعدة أم لا (لاحظ أنهم يمثلان ثالث و رابع أكبر اقتصاديات منطقة اليورو) ومن ثم يمكن ذلك من تدخل البنك الأوروبي في سوق السندات.. و حتى الآن ما يزال تفعيل البرنامج لسندات تلك الدول رهن الساسة في هذين الدولتين.

أخيراً و ليس آخراً هذا البرنامج جزء من حل الأزمة أو عامل مساعد فقط وليس هو الحل الكامل للأزمة التي بلغ عمرها ثلاث سنوات حتى الآن و إنما مجرد شراء المزيد من صبر المستثمرين، و من ثم لابد و أن ننتظر حتى نرى تأثير البرنامج على العائد على السندات و نعيد النظر مرة أخرى في تقييم البرنامج.

يبدو أن سادة المركزي الأوروبي قد كسبوا معركة من معارك إعادة الثقة في اليورو و لكن لظى الحرب ما زال مشتعلاً….