أستطيع القول إن أهم معضلة تعرقل عجلة التنمية والتطوير في الدول النامية، تكمن في عدم تشخيص الأخطاء والمخالفات وأسبابها.. مما ينتج عنه عدم فعالية المعالجات. وبالتالي فمهما أنفقت الحكومات من أموال وأصدرت من أوامر وتوجيهات، فإن مواطن الجروح والعلل (في كثير من الأحيان) لا تمس ولا تعالج! وبالمقابل، فإن السر في نجاح مشاريع الإصلاح على أيدي المصلحين (كمهاتير محمد في ماليزيا وغيره من الشخصيات الإدارية الإصلاحية) ليس في كثرة القرارات الإصلاحية ولا في ضخامة نفقاتها، بقدر ما هو التصويب الصحيح لسهام المعالجات الناتجة عن التشخيص السليم لمواطن الضعف والفساد.. لتكون هذه الإصلاحات في إطار قناعة تامة بأهمية تطبيق المبادئ والقيم.
وأضرب مثالا على ذلك: تحقيق مبدأ الفصل بين المصالح أو ما يعرف بمبدأ تعارض أو تضارب المصالح. لا أدري لماذا يجرم مرتكبه في عامة الأنظمة العالمية، بينما يستسهل ممارسته عندنا؟! والمشكلة (الأسوأ) أن هذا العمل إضافة إلى كونه جريمة بحد ذاته، فإنه يقود إلى مخالفات وجرائم أخرى. والذي يحصل بطبيعة الحال، أن المسؤول التنفيذي الذي يشرف على منشآت نشاطات تجارية وهو يملك أو يشارك في ملكية هذه المنشآت، لن يكون عادلا في قراراته ولا مستقلا في فكره ولا نزيها في تصرفاته، لأنه لا يعقل أن يغلب المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، ولا يجوز أن يكون في موضع الخصم والحكم! بل إن هذه الممارسة بحد ذاتها تعتبر جريمة بحكم القانون. وانظر إلى ما تقود إليه هذه الممارسة.. فهذا المسؤول سوف يمارس صلاحياته ليعمل على كسب مصالحه الشخصية.. وفي هذا جريمة أخرى تعرف بـ«استغلال السلطة»! وهذا سيؤدي إلى جريمة أخرى تعرف بالكسب غير المشروع (إلى غير ذلك).
وبمجرد أن يبدأ المسؤول في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحه، فإنه يبدأ في تقبل تبادل المصالح. يخدم هذا حكم موقعه في مقابل حصول من آخر على خدمات في موقع آخر! فيصبح لهؤلاء حلقات اتصال وتعاون تسوده المصالح المشتركة أو المتبادلة (وشد لي واقطع لك)، لتترابط هذه المجموعات لتصبح حلقات أو مجموعات أشبه ما تكون بالعصابات.. ومن خلالهم يعم الفساد ويسود! ولذلك أستطيع أن أشبه مخالفة أو جريمة «تضارب المصالح» بأم الخبائث، لأن مرتكبها يستسهل عمل كل ما بعدها من مخالفات وجرائم.
أما عن الحل.. فهو إجراء وقائي سهل وبسيط، سبق أن اقترحته أكثر من مرة.. بأن يصدر قرار من صاحب الصلاحية، بإلزام الجهات الرسمية التي تراقب (بحكم طبيعة عملها) منشآت تجارية، لتلتزم بتمرير بيانات تسمى «بيانات الشفافية»، بحيث يلتزم كل مسؤول تنفيذي بأن يسجل فيها معلومات عن ملكيته للمنشآت التجارية (أو مشاركته في ملكيتها) التي تقع تحت إشراف الجهة التي يعمل فيها، لأن هذا الإجراء سيجعل كل مسؤول يحسب حسابه أكثر من مرة عندما يرغب في ارتكاب جريمة العمل في ظل تضارب المصالح.
أخلص بالقول.. إن تضارب المصالح داء خطير لا يكتشف في إجراءات الفحص والأشعة التي تتخذ لمعالجة مشكلات الفساد الإداري، وهو في ذات الوقت يقود إلى ممارسات أخرى خطيرة.. تفسد على الإصلاحيين مجهوداتهم وعلى الحكومات مشاريعها التنموية.. وبالأخير تخبو حماسات المطالبين بالمساءلات والحقوق وتبح الأصوات وتتقادم قضايا الحق العام إلى أن تقيد ضد مجهولين.. ويطبع العمل في ظل تضارب المصالح، وهو مع الأسف جريمة تقود إلى جرائم أخرى عديدة!
كلام سليم وتشكر عليه ودعني أورد مثالاً صغيراً وتطبيقه سهل وعواقبه رائعة ولكن المصالح والأنا تنسف اقراره .. إن الزكاة على الأراضي المعدة للتجارة أثر كبير جداً للبلد ولكنه مفيد لقلة حتى لو أضر النمو الصحي للدولة .. لو تم تحصيل تلك المبالغ ودعمت بها مشاريع الاسكان لحثت على العمل بدلاً من دفن الثروة في العقار والذي هو عقار لا أقل ولا أكثر وبلا انتاجية ولرخصت ايجارات المحلات التجارية ولعمل الناس ووضعت حدود للطبقية .. بقاء الوضع على ما هو عليه الان خطأ استراتيجي كبير جداً وعواقبه وخيمة على من يعارضه الآن . تحياتي
اوافق بشدة على الطرح الجميل ويجب ان يؤخذ ذلك في الاعتبار في جميع الانظمة وبخاصة نظام حوكمة الشركات
أوافقك الرأي