موسم الجمعيات العمومية للشركات المساهمة في الكويت على الأبواب. ويبدو ان الصوت سيعلو هذا العام. لكن يبدو ارتفاع اصوات المساهمين وسقف اسئلتهم، خصوصا صغار المستثمرين منهم، لا يلقى عادة آذانا صاغية عند مجالس الادارات والمسؤولين التنفيذيين لديهم ولا عند السلطات الرقابية، علما بأن المسؤولية في تطبيق مفهومي الشفافية والحوكمة تلقى على عاتق طرفين: الشركات والسلطات.
فالطرف الاول يحاول عدم اظهار مشاكله، فيما الطرف الثاني يغض النظر عن تجاوزات بقصد او بغير قصد. وما زالت الكثير من الشركات تحتفظ بحقيقة مركزها المالي ووضعها الائتماني في صندوق اسود، وتعامل اخبارها على اساس انها اسرار دولة تمس الأمن القومي اذا تم الافصاح عنها.
في الواقع تبدو الصورة الحقيقية لعدد لا بأس به من الشركات المدرجة اسوأ مما تظهر عليه اليوم. وفي ما يلي بعض الادبيات التي يستخدمها عدد من المسؤولين التنفيذيين والاداريين في الشركات:
• أكثر من %30 من الشركات المدرجة تآكل رأسمالها، في حين ان تسويق بعض مسؤولي الشركات جار على قدم وساق انها مجرد انخفاض في اسعار الاسهم تحت القيمة الأسمية لا اكثر ولا اقل، وان اسعار تلك الاسهم جاذبة لانها رخيصة. ويبقى تعبير تآكل رأس المال محظورا في الكثير من الخطابات والمؤتمرات الصحفية.
• عشرات الشركات المدرجة متعثرة سواء في السر أو في العلن، أي أنها باتت غير قادرة على دفع أقساط قروضها للمصارف بشكل ميسر كما بالماضي. والله ستر لان أغلب ديون هذه الشركات من المصارف المحلية، وإلا لتم نشر غسيلها على شرفات الصحف العالمية كما حصل مع شركتي غلوبل ودار الاستثمار. ولولا الاستمرار بخدمة الدين (اي دفع الفوائد) وصبر البنوك وحث «المركزي»، لتمت «جرجرة» الكثير من الشركات إلى المحاكم بدعاوى إفلاس، كما فعل بنك بوبيان مع شركة الابراج القابضة. اضف إلى ذلك أن خطوط الائتمان متوقفة بشكل شبه تام لأغلب الشركات بسبب شح الضمانات التي تستطيع هذه الأخيرة تقديمها.
لكن اللعب على الكلام يكون في تبني مقولة: «إنها أزمة سيولة فقط لا غير».
• يوميا، تستقبل شركات الاستثمار عشرات الطلبات من مستثمرين أفراد يسألون فيها استرداد أموالهم من صناديق أو محافظ بإدارة تلك الشركات. لكن أغلب الطلبات تبقى في الأدراج والجواب المضلل أحيانا: إنها أزمة «كاش» فقط!
• شركات أفلست لكنها لم تشهر إفلاسها: سرحت موظفين، ولم تدفع رواتب البقية منذ أشهر. طار أكثر من %70 من رأسمالها. كبار مسؤوليها بعيدون عن السمع، ومنهم من هو مطلوب للقضاء. لا مشاريع ولا تمويل ولا عمل ولا أفكار ولا إعادة هيكلة. ويقولون منتظرين الفرج: العالم كله يمر بأزمة، وعلى الدولة التدخل لدعم الشركات التشغيلية! أي تشغيل هذا الذي في شركات ورقية؟
• تخفض الوكالات العالمية التصنيفات الائتمانية لبعض الشركات والبنوك، فيبرر البعض هذا التخفيض بأنه لأسباب غير جوهرية، وبعضهم يتحجج بأن هذه الوكالات فاشلة وقد أخطأت في توقع الأزمة وفي تصنيفها لقروض الرهن العقاري الأميركي! وكأن وضع الشركات والبنوك المصنفة بألف خير، والوكالات وحدها الكاذبة والمنافقة تخفي معلومات وتشوّه أخرى. وكأن جميع المعلومات الائتمانية ووضع المركز المالي وحجم الديون متوافرة على موقع تلك الشركات على الانترنت، ومتاحة للعموم والخصوص.
• ما برح المساهمون يسمعون منذ بداية الازمة في الكويت تصاريح وبيانات صحفية عن اعادة جدولة ديون شركات واعادة هيكلة شركات اخرى، لكن النتيجة تبدو غير واضحة بعد اكثر من سنة. فقد تمت اعادة هيكلة بنك بحجم مجموعة سيتي الاميركية التي كانت تضم حوالي 330 الف موظف، ومجموعة جنرال موتورز التي تصنع اكثر من 9 ملايين سيارة سنويا، ولما تنته بعد اعادة هيكلة شركات عدد موظفيها لا يتعدى اصابع اليد الواحدة، واعمالها لا تتخطى بضعة ملايين من الدنانير.
• ما زالت بعض الشركات تمارس البروباغندا الاعلامية نفسها التي كانت تمارسها قبل الازمة. فتسرب خبرا من هنا و«تضج» تقاريرها في الصحف من هناك، وتسعى وراء جائزة لاضافتها على رصيد جوائزها!
ويتساءل المساهمون: «لماذا لا نرى اخبارا ذات نكهة مالية عن تلك الشركات، بدل اخبار عن تبرع او جائزة او بطولة كرة قدم؟». فالوقت اليوم لمعالجة تداعيات الازمة واعادة الثقة والطمأنينة الى نفوس المستثمرين، لا وقت التباهي بنشاطات اجتماعية على الرغم من اهميتها.
جملة الاضاليل هذه وغيرها الكثير تمارس يوميا على مرأى ومسمع من الجهات الرقابية التي تحركت ببطء شديد بهدف تعزيز الشفافية. وللعلم، توصف الشفافية بانها «سمة مركزية في تصميم الاسواق المالية»، حسب القانونين الاميركي والبريطاني. وقد عملت السلطات في جميع دول العالم على تشديد قوانين الشفافية والافصاح خلال الازمة المالية الحالية بهدف معرفة وتعريف الناس على حقيقة وضع المؤسسات المساهمة. وقد ارتفع مستوى الشفافية بشكل ملحوظ في الشركات التي دعمتها الحكومات، والتي تساهم بحصة فيها. بيد ان الوضع ما زال على حاله في الكويت. فستعقد الجمعيات العمومية غدا، وستمتلئ صفحات الصحف كالعادة بتصاريح طنانة وبتعابير «مأكول خيرها» وتنظيرات مل منها الناس ودعوات للحكومة بالتدخل. وستلتف اغلب ادارات الشركات على اسئلة المساهمين مستخدمين اساليبهم المعتادة في اللف والدوران والوعود الرنانة.
وسيخرج المساهمون من هذه العموميات فارغي الوفاض، لا تحمل جعابهم اي معلومات وافية كافية عن اوضاع شركاتهم، وستستمر «لعبة» التطمينات، وستغيب اعترافات المسؤولين باخطاء الماضي.
وستبقى السلطات «في العسل» غير آبهة بمصالح كثيرين، مبررة عدم تدخلها بان «العمومية سيدة نفسها»، متناسية ان الشفافية عندما تغيب يستشري الفساد!
الله يعطيك العافية مقال كافي ووافي عن وضع الشركات الكويتية والضحك على الذقون..... شكرا للكاتب على هذا المقال الجميل
شكرا لك يا أخ محمد.. الشفافية مطلوبة في السوق الكويتي أمس واليوم وغدا