لسنوات طويلة ونحن نسمع من مسؤولي المصارف ومن مسؤولي مؤسسة النقد العربي السعودي أن المصارف في المملكة متحفظة جداً في سياساتها الائتمانية، وأن هناك إجراءات مشددة تضبط عملية منح القروض للعملاء سواء على مستوى المصارف نفسها أم على مستوى مؤسسة النقد بهدف تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن بحكم أن المصارف مؤتمنة على ودائع العملاء التي نتفق جميعاً على أنها خط أحمر يجب عدم المساس به بأي حال من الأحوال.
ما يؤكد ذلك أن المصارف عند منحها للائتمان تطالب المؤسسات والشركات الصغيرة بتقديم ضمانات بنسبة لا تقل عن 100 في المائة من قيمة القروض والتسهيلات ثم تطالبهم فوق ذلك بإثبات وجود تدفقات نقدية موجبة تدل على قدرتها في السداد، في حين تطالب الأفراد بالالتزام بضوابط وشروط لا تنطبق إلا على فئة محددة منهم ثم تلزمهم بتحويل الرواتب ومكافآت نهاية الخدمة (وقد يتطلب الأمر في حالات معينة تقديم ضمانات إضافية) كل ذلك لضمان تقليل المخاطر وهذا بالطبع إيجابي يمثل حقاً طبيعياً لمصارفنا بسبب طبيعة عملها الحساسة!!!
إلا أنه مع تعثر بعض كبار عملاء المصارف المقترضين في الآونة الأخيرة عن سداد التزاماتهم (كما حصل مثلا مع مجموعتي سعد والقصيبي)، ظهر لنا جلياً أن مصارفنا مع الأسف الشديد لم تتبع أي سياسات أو معايير ائتمانية تضمن فيها حقوقها المالية عندما قررت منح كبار عملائها قروضاً بمليارات الريالات دون ضمانات كافية ودون تدفقات نقدية منتظمة (على الأقل أسوة بعملائها من صغار المقترضين الأقل خطورة لكثرة عددهم) وما يدلل على ذلك أن قيمة المخصصات الائتمانية منذ بداية عام 2009م وحتى الآن قاربت من عشرة مليارات ريال وهو رقم كبير جداً يعادل رؤوس أموال ثلاثة مصارف مجتمعة والأهم أننا لا ندري إن كانت لا تزال هناك بقية لهذه المخصصات أم لا؟
والأغرب أنني شخصياً كنت متأكدا إلى درجة اليقين أن مصارفنا لن يكون لها أي تعرض ائتماني لإمارة دبي الشقيقة (تحديداً في النشاط العقاري) طالما أن هناك مخاوف منذ سنوات طويلة من وجود فقاعة في تقييم الأصول هناك وطالما أنها لم تعرض نفسها بشكل كبير للنشاط العقاري في المملكة (البلد الذي تمارس فيه نشاطاتها المصرفية)، إلا أن تصريح معالي محافظ مؤسسة النقد عن تعرض المصارف لمجموعة دبي العالمية المتعثرة أيضاً بقيمة لا تزيد على 2 بالألف (أي نحو 2.6 مليار ريال) أصابني بالدهشة والصدمة ولا أملك حقيقة تفسيراً لذلك، خصوصاً أنها مؤتمنة على ودائع العملاء، إضافة إلى أنها ليست بجمعيات خيرية!!!