تخيّل سائقا معصوب العينين يقود سيارته على الدائري الخامس بسرعة 120 كيلومترا في الساعة، وهي السرعة القصوى المسموح بها على هذا الطريق. لن تسير سيارته إلا ثوان قليلة أو ربما لحظات قبل أن تصطدم بشيء ما، ولن يبقى أحد يخبّر عمّا حصل في الحادث الذي سيودي بحياة السائق من دون شك. هذه الحالة شبيهة بحالة أغلب صغار المستثمرين في سوق الكويت للأوراق المالية، إن لن لم نقل جميعهم. فهم يتداولون ويضاربون ويستثمرون في أسهم لا يعلمون عنها إلا ما ندر. فالمعلومات المتوجب توافرها بعدالة للجميع غير متاحة، وإعلانات البورصة اليومية تكاد لا تشفي غليل أحد. فكم من أخبار تنشر في الصحف اليومية وعلى الفضائيات وتمر مرور الكرام من دون أن تسأل إدارة السوق الشركات المدرجة عن صحتها؟ كم من تداولات مليونية تحصل على أسهم شركات أو مجاميع من دون مبرر حقيقي لها؟ كم من معلومات مغلوطة أو منقوصة أو مضللة أو متأخرة تنشر على شاشات التداول؟ كم من مشاريع مليارية سمع عنها المتداولون فاشتروا أسهما على أساسها، ليقعوا في فخ أليم مؤلم؟ كم من مرة نقرأ إفصاحات لشركات كويتية مدرجة في البحرين أو دبي قبل أن نقرأها في سوق الكويت؟ كم من إعلان ظهر على شاشات التداول، ثبت عدم صحته بعد فترة؟ كم من آلاف الإشاعات نسمعها يوميا وتتداولها الموبايلات تبقى دون حسيب أو رقيب؟ وتطول لائحة الأسئلة هذه المتعلقة بسوء الإفصاح عن المعلومات في سوق الكويت، أول سوق للأوراق المالية أُسس في المنطقة. وتعتبر حاجة المتداولين والمستثمرين في سوق المال إلى المعلومات كحاجة الإنسان إلى الهواء. لذا عملت الهيئات الرقابية والسلطات التشريعية في أسواق المال العالمية والاقليمية على صياغة قوانين تضمن حق جميع المتعاملين في البورصات للوصول إلى المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات الاستثمارية.
مشكلة متعددة الرؤوس وتفتح «القبس» اليوم ملف الإفصاح الشائك بعد أن كتبت مواضيع وتحاليل وقراءات مختلفة في هذا الإطار. فتوافر المعلومات الصحيحة يبقى الطريق الوحيد نحو إنشاء سوق مالي متطور يأخذ فيه كل صاحب حق حقه. ففي الكويت، تعتبر مشكلة الإفصاح متعددة الأطراف والعناصر والمسؤوليات: 1ـ هناك قصور تشريعي واضح، فقانون الإفصاح عن الملكيات لا يتطرق بشكل موسع إلى ضرورة الإفصاح عن جميع المعلومات المؤثرة على السهم، ولم يتم تعديل هذا القانون حتى يتواءم مع تطور البورصة في العقد الماضي. 2 ـ ثغرات قانونية كثيرة تنفذ منها الشركات المدرجة، التي يستلذ بعضها بلعب دور المضلل للناس والمتلاعب بأموالهم. فالكثير من هذه الشركات لا يكتفي بحجب المعلومات فقط بل تسعى إداراتها إلى تضليل الجمهور عبر أخبار كاذبة أو تداولات وهمية مما يفاقم المشكلة. 3 ـ تبقى إدارة البورصة ولجنة السوق عاجزتان عن متابعة جميع أخبار الشركات المنشورة بسبب ضعف الجهاز الرقابي والكوادر العاملة في السوق. 4 ـ عدم تطبيق القانون وغياب العقوبات الصارمة يزيدان الطين بلة. فلو تم ضبط شركة واحدة بالجرم المشهود وطبقت إدارة السوق عليها عقوبات، لشكّلت على الأقل درسا لبقية الشركات، لكن لا حياة لمن تنادي. 5 ـ قلة الوعي لدى المستثمرين الأفراد بأهمية تقصي الحقائق وتوافر المعلومات اللازمة عن الأسهم المرغوب الاستثمار فيها. 6 ـ عدم ولادة هيئة لسوق المال تفصل الرقابة عن إدارة التداولات من أبرز مشاكل عدم تطور اللوائح الداخلية التنظيمية للبورصة وأبرزها لوائح الإفصاح عن المعلومات.
حاجة السوق للشفافية وقد طرحت «القبس» سؤالا على عدد من المتخصصين مفاده ما حاجة السوق للشفافية والافصاح؟ فجاءت نتيجة استطلاع الرأي كالتالي: • إجماع على أن الشفافية هي من حق المستثمرين لأنها تمكنهم من الوصول إلى المعلومات والبيانات المطلوبة بأسلوب يسر وطريقة عادلة وغير مكلفة. • إجماع على أن المعلومات تلعب دورا حاسما في التأثير على قرارات المتعاملين في السوق بالبيع أو الشراء أو الاحتفاظ بالأسهم. • أكثر من 85% تقريبا من المتخصصين اعتبروا أن كفاءة السوق يحددها توافر المعلومات عن البورصة وعن الشركات المسجلة فيه. • 80% صوتوا على أن توافر المعلومات يقلّل من المخاطر ومن أثرها على المستثمرين وعلى الشركات مما يؤدي إلى انخفاض كلفة الأموال وإلى ارتفاع معدلات الأرباح للشركات. • 75% اعتبروا أن المعلومات ضرورية لزيادة الوعي لدى صغار المستثمرين، خصوصا أنهم السواد الأعظم من المتداولين وأن المعلومات تكون متوافرة أصلا بطرق شرعية وغير شرعية لكبار المستثمرين. • 70% أشاروا إلى العلاقة ما بين ازدياد الإفصاح والشفافية وبين انخفاض مستويات الجرائم المالية والإدارية. • 55% أشاروا إلى أن الشفافية ضرورية لتعزيز ثقة المستثمرين بالسوق. • 55% من المستطلعة آراءهم اعتبروا أن المعلومات تسهّل مهمة التعرف على اتجاهات أداء البورصة بشكل أدق، وتسهل بالتالي تحديد استراتيجيات الاستثمار للمتعاملين. • 50% رأوا بالافصاح السليم طريقا يؤدي لرفع درجة استقرار السوق ونمو التداولات فيه.