بتاريخ 30 ديسمبر 2009 كتبت مقالا في هذا المكان بعنوان "الكبار ينجبون الشائعات ويربحون .. والصغار يكبرونها ويخسرون" .. وفيه لفتُ الإنتباه إلى "شائعة سعي أبار للاستحواذ على حصة في أرابتك" ونوهت فيه إلى نفي أرابتك لهذه الشائعة .. وبتاريخ 6 يناير 2010 كتبت مقالا في هذا المكان أيضا تحت عنوان "الغموض الإيجابي .. موضة الإفصاح السنوي" .. وأشرت فيه إلى استغلال رؤساء مجالس الإدارات والمدراء التنفيذيين لوسائل الإعلام من خلال الإفصاح الغامض ذي الوجهين والقابل للتأويل باتجاهين .
والإشارة إلى المقالتين السابقتين ضرورية كمدخل للحديث عن "الشفافية والإفصاح.. والضرب المباح ". بتاريخ 28/12/2009 ، نشرت بلومبيرغ خبرا مفاده وجود شائعات بين المستثمرين عن وجود توجه لدى شركة آبار للإستحواذ على حصة من شركة أرابتك ، وعلى ضوء هذا الخبر ( الشائعة حتى تلك اللحظة ) أقدم بعض المتداولين على الشراء في أسهم الشركتين طمعا ببعض الربح . وفي خطوة لاحقة وجهت شركة أرابتك رسالة لسوق دبي المالي بتاريخ 30/12/2009 نفت فيه ما نشرته بلومبيرغ . وبتاريخ 3/1/2010 نفت شركة آبار خبر بلومبيرغ ايضا برسالة موجهة إلى سوق أبو ظبي وضمنته ايضا عبارة تقول ( " إنها تتطلع دوما للبحث عن فرص استثمار للشركة بما يحقق المنفعة لها وللمساهمين" .. غموض إيجابي). وبتاريخ 5/1/2010 الرئيس التنفيذي لشركة أرابتك يصرح لتلفزيون العربية حو ل شائعة آبار أرابتك بالتالي ( "إن ما كان سائداً في السوق هي عبارة عن تكهنات لا صحة لها".. غموض إيجابي .. أتبعه بغموض إيجابي آخر عندما أضاف "نحن نرحب بوجود شريك استراتيجي يفتح لنا أسواقاً جديدة ويوفر لنا التمويل في مثل هذه الظروف، ويكون دخوله مفيداً للمساهمين".) ..
إذن الشركتان كلتيهما لعبتا "الغموض الإيجابي" بطريقة بارعة كادت تقنع جميع المتداولين في السوقين بجدية النفي . إن نفي الشركتين برسائل رسمية للسوقين مع النفي عبر وسائل الإعلام أقنع بعض المتداولين بجدية النفي فباعوا أسمهم - بربح أو خسارة لا يهم .. المهم أنهم باعوا وانتهى الأمر - خشية أن تعاود هذه الأسهم الهبوط إلى أسعار ما قبل الشائعة ، ولكن في المقابل أصر العديد من المتداولين على وجود "نار تحت الدخان" فتمسكوا بأسهمهم خاصة بعد تأجيل شركة أرابتك لاجتماع مجلس إدارتها من تاريخ 6/1/2010 إلى تاريخ 7/1/2010 ليتزامن مع اجتماع شركة آبار للإستثمار .
يوم الخميس الماضي بتاريخ 7/1/2010 تزايدت الشكوك بأن خبر بلومبيرغ "الشائعة المنفية من قبل الشركتين " خبر صحيح وبأن "تسريبا" ما حصل مما دفع بكبار المضاربين لاستغلال الفرصة وشهد السهمان مضاربات شرسة تضمنت حجم تداول تجاوز المئة مليون سهم على أرابتك ونحو خمسة وثلاثين مليون سهم على آبار مما رفع السهمين أكثر من ستة بالمئة لسهم أرابتك وأكثر من خمسة بالمئة لسهم آبار وحتى هذه اللحظة لم يكن بمقدور أحد أن يؤكد أو ينفي وجود توجه نحو صفقة ما بين الشركتين إلى أن أعلنت شركة آبار وبعد انتهاء اجتماع مجلس إدارتها مساء الخميس عن تقديم عرض لشراء 70 % من شركة ارابتك هنا فقط اسودت الدنيا في عيون الكثير من المستثمرين ليس لأن الخبر سيء بل لأن الشفافية والإفصاح في الأسواق المحلية تلقت "ضربا وصفعا قاسيا ومؤلما ".
لا شك أن من باع أسهم الشركتين بناء على نفي " الشائعة " يتحسر على ربح ضاع منه ، كما أن امتناع البعض عن الشراء بسبب النفي أيضا أضاع فرصة للربح وبالتالي فإن الفتئين كلتيهما منزعجتان عما فاتهما من ربح وتطالبان بتفسير عما جرى و الأسباب التي منعت الشركتين من الإفصاح عن التوجه نحو صفقة من هذا النوع خاصة بعد تسرب الخبر . وبغض النظر عن إتمام الصفقة لاحقا من عدمه فإن الآثار السلبية لما حصل ستأخذ مداها وستكون لها تداعياتها على المتداولين خلال الفترة القادمة . إن الاسواق المحلية في هذه المرحلة بحاجة لتعزيز الثقة أكثر من اي شيء آخر ، وما حدث أثار حفيظة المتداولين وعزز لديهم الشكوك بوجود "تسريب" ربما دائم ومستمر ولا بد من مكافحته بشتى الوسائل ، كما برهن لهؤلاء المتداولين بالدليل القاطع أن "الغموض الإيجابي" المتبع من مسؤولي الشركات أصبح مؤثرا جدا و يلعب دورا سلبيا واضحا وضوح الشمس بل وأصبح يضرب بقوة "القاعدة و الاساس" الحاملين لمبدأي الشفافية والإفصاح .
قد لا يكون أي من الشركتين خالف القوانين المرعية ، وقد يكون سلوكهما جاء ضمن الضوابط والمعايير المعتبرة قانونا ، مما يعني أن الهيئات الرقابية ومسؤولي الأواراق المالية غير قادرين على التدخل قانونا لتغيير ما حصل لكنهما بلا أدنى شك اكتشفوا – أي الهيئات الرقابية ومسؤولو الأوراق المالية - ثغرات في الضوابط والمعايير الرقابية المعتمدة لديهم وبالتالي أصبح من واجبهم سد هذه الثغرات والثغرات المشابهة وعدم الإكتفاء بما هو موجود حاليا من ضوابط فضفاضة تعطي الشركات فرصة التملص من استحقاقات واجبة قد يضر عدم التزامهم بها بمصالح المساهمين و المتداولين في الأسواق اشد الضرر ويفتح بابا لخلق عوامل طاردة للإستثمار بدلا من تعزيز عوامل الجذب .