خلف العام المنتهي 2009 مآسي كبيرة انعكست على الاقتصاد العالمي، ما دعا العديد بتسميته عام الأزمة ربطاً بالآثار السلبية الكبيرة التي انعكست على مختلف الدول وقد شهدنا فيه تسارع المجتمع الدولي للتصدي لآثار الأزمة، والتي بدأت تتشكل محاور هذا الالتفاف الدولي من نهاية العام 2008 إلا أن قمة مجموعة العشرين في أبريل بلندن خلال العام المنصرم قصة الشريط نحو اطلاق خطط التحفيز الاقتصادية التي رصد لها خمسة تريلونات دولار في قمة العشرين لتنعكس النتائج فورا على أسواق السلع حيث تأثر سعر النفط إيجابا ليلامس 80 دولار؛ فيما تواصل ارتفاع أسواق المال عالمياً لتعوض الكثير مما فقدته ثم بدات الانعكاسات على التجارة البينية العالمية التي انخفضت بمقدار 41 بالمائة غير انها تحسنت كثيرا خصوصا بالنصف الثاني من العام الماضي.
ولكن الآثار السلبية تركزت في ارتفاع معدلات البطالة حيث تخطت باميركا حاجز10 بالمائة وكانت أغلب دول أوروبا قريبة منها بالنسب مما دعا دول مجموعة العشرين لتعيد التأكيد في لقاءاتها التي تلت لندن على كافة المستويات للتاكيد على الاستمرار في خطط التحفيز وتنظر أكثر في خطط الاصلاح المعتمدة لواقع الرقابة المالية وكذلك ترفع من دعم صندوق النقد الدولي لكي يكون التحفيز شاملاً كافة دول العالم للمساعدة بتحريك العجلة الاقتصادية بإيصال قدرات البنك الائتمانية إلى قرابة التريليون دولار عبر وسائل عديدة بالتمويل له شملت تغيير حصص التصويت فيه، وكذلك السماح له ببيع احتياطاته من الذهب بما يقدر بحوالي400 طن لزيادة السيولة لديه وتوسيع قاعدة الاقراض العالمية كنوع من شمول خطط التحفيز للدول الفقيرة الأكثر تضررا من الأزمة.
وبخلاف ذلك استمر مسلسل افلاس البنوك الامريكية لتتخطى حاجز 130 بنكا كما استطاعت خطط الدعم التي قدمت للنوك الكبيرة بتجاوزها للمراحل الصعبة للأزمة مما دفع بعضها لارجاع المبالغ التي قدمت لهم كدعم من الحكومة الامريكية، وقد ساهمت مجمل خطط الانقاذ في تحقيق أغلب اقتصاديات الدول الكبرى لنمو خصوصا في الربع الثالث حيث بلغ نمو الاقتصاد الامريكي قرابة 2% كما أبرزت الأزمة خلافا واسعا خلال العام الماضي حول مستقبل الدولار وتم مناقشة هذا الأمر في أكثر من محفل وبرزت الصين ثم روسيا كأبرز الداعمين لتنويع احتياطات العالم وعدم الاعتماد على الدولار فقط غير أن هذا الأمر لم يلق تجاوباً كبيراً خوفاً من التداعيات المحتملة على العالم حيث قد تعود الأمور للمربع الأول من الأزمة، بل كان الحذر بارزاً من ان تتفاقم المشاكل الاقتصادية أكثر في حال طال التغيير موقع الدولار كعملة احتياط أولى بالعالم.
الا ان العديد من الجول سارع مباكرا لشراء الذهب حفظا لقيمة ثرواتهم المتشكلة من الاحتياطات مما رفع اسعاره إلى مستويات لامست1200 دولار لأول مرة بالتاريخ في حين استمر الدولار يشكل ضغطا بانخفاضه المستمر الذي افقده أكثر من20 بالمائة كونه يلعب دورا رئيسيا بارتفاع معدلات التضخم بخلاف خطط ضخ الاموال بانفاق الدول عالميا ويعتبر فتح ملف الدولار ووضعه بالاقتصاد العالمي سابقة مهمة لن تنتهي حتى يتم الوصول إلى صيغة سيكون الانتصار فيها لمن يستطيع ان يسيطر على الحصص الاكبر من اقتصاد العالم فقد تراجع حجم اميركا فيه إلى 19 بالمائة بعد ان كان يشكل قرابة 26 بالمائة قبل الأزمة بينما ظهرت الصين كابرز الدول نموا بمعدل قارب 9.6 بالمائة ولتتصدر الدول المصدرة عالميا والمستهلكة لاغلب السلع وتصبح الانظار موجهة لها من كل القارات.
اما الدول العربية فتضررت من الأزمة كحال العالم وارتفعت معدلات البطالة فيها وتأثرت الانشطة الاقتصادية دون استثناء ولم تفصح غالبيتها عن اثار الأزمة كحال دول العالم الثالث عادة لغياب الاحصائيات ودور المؤسسات الاقتصادية المشلول فيها غير أن دول الخليج بقيت الافضل بينها بل ان العديد منها لم تظهر فيه الأزمة الا بشكل طفيف وخصوصا المملكة العربية السعودية التي انتهجت سياسة خاصة بها بدات من العام 1995 م بانشائها للمجلس الاقتصادي الذي تولى سياسة اصلاح كاملة للاقتصاد انتهت إلى نتائج ممتازة فكان من اساسيات عمله تطوير الاقتصاد ليتجاوز أي ازمات وافرزت امتلاك المملكة لاحتياطات مالية كبيرة تجاوزت 1600 مليار ريال وتخفيض بمستوى الدين العام إلى 225 مليار من قرابة 660 مليار خلال خمس سنوات مع تحفظ شديد خلال السسنوات السابقة بمجال الاستثمار الخارجي مما حمى الاقتصاد من براثن الأزمة ليتم تطبيق سياسة مالية توسعية بانفاق حكومي استثماري كبير أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال قمة العشرين بواشنطن برقم يصل إلى 400 مليار دولار أي ما يعادل 1500 مليار ريال خلال خمس سنوات حيث ظهر الاثر بارتفاع الميزانيات المعتمدة للعامين المنتهي والقادم كأكبر إنفاق حكومي بتاريخ السعودية مما ساهم بلعب دور كبير بامتصاص آثار الأزمة بل وتحويلها إلى ايجابيات تحقق معها المملكة معدلات نمو في وقت اتشح الركود والكساد العام تقريبا، وسيكون لذلك دور كبير في المستقبل في رفع الناتج الوطني بالمملكة حيث تم تمويل جميع المشاريع الكبيرة من صناديق الدولة حتى لا تتوقف عجلة النشاط الاقتصادي، بل وتمضي المملكة بخططها التنموية المرسومة بخططها الخمسية دون توقف.
وبالرغم من انتقال بعض أثار الأزمة إلى دبي لكن هذا الأمر الذي استوعبته دولة الامارات الشقيقة سريعا لم يثن دول مجلس التعاون الخليجي لاقرار برامج اقتصادية مهمة بقمة الكويت الاخيرة التي اضفت باقرار الاتحاد النقدي الخليجي وتوحيد الرقابة الملاية بينها وانشاء شبكة سكك حديدية بينها تنجز عام 2017 اساسيات اضافية لدعم مسيرة الاقتصاد الخليجي عموما والتي بدورها ستساهم بأخذ موقع ريادي لمنطقة الخليج بالاقتصاد العالمي مستقبلا أكثر من كونها دولا مصدرة للنفط.
ان حصيلة العام المنتهي لن تكون مجرد ارقام واحداث للذكرى فقط بل سينتج عنها الكثير من التغيرات المستقبلية بهيكل الاقتصاد العالمي وسيكون هناك توازن اقتصادي عالمي لأول مرة خلال العقد القادم بين الدول الكبرى والناشئة فالمشاركة بالقرار الاقتصادي اصبحت سمة بعد أن كان حكرا على القوى العظمى والنظريات الاقتصادية التي اعتمدت لعقود طويلة لم تعد محل ثقة، بل أصبح الكثير يعيد النظر بها ولم يعد هناك من يصدر لنا تجربته على انها الحل، بل أصبحت الدول الأخرى تنظر إلى ضرورة انتهاجها لخطط تخرج من رحم واقعها ومزاياها الاقتصادية سيذكر العالم بتاريخه مستقبلاً أن العام 2009 كان عام التحولات وقلب موازين القوى بامتياز وأنه النقطة التي بدأ العالم ينطلق منها لبناء مستقبله بناء على مصالحه الخاصة أما الوصفات الغربية الجاهزة فقد تحولت إلى نصائح ولكنها بدات تأخذ شكلاً آخر حيث أصبحنا نقدم تجاربنا لهم وبرز ذلك بتصريحات وزير الخزانة الامريكية الذي زار المنطقة واكد على اننا اتينا لنستفيد من بعض التجارب الخليجية.
حتى الان محاولات لصق البالونة فاشلة ( للاجل الطويل ) افلست البنوك ثم تفلس الدول المتجبرة فتذهب الاحتياطيات المتحفظه مع هبوب رياح الانهيار اذا اعلن الشخص افلاسه ماذا يفعل مشترو سنداته التي اصدرها ليغطي ديونه المتراكمة