تعتبر الشائعات جزء لا يتجزأ من حركة أسواق المال في مختلف دول العالم ، ومشكلة تفشي الشائعات في أسواق المال الخليجية والإماراتية منها مشكلة مزمنة والكثير من المستثمرين يجري خلف هذه الشائعات أو يستقبلها ويتفاعل معها بشيء من القبول والرضا لقناعته بضعف الشفافية ووجود تسريب للمعلومات، ومما يزيد الطين بلة قيام بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بنشر الشائعات – الأخبار- والترويج لها دون تحري صحتها ودقتها ،كما حصل أمس في الشائعة المتعلقة بنية شركة "آبار للإستثمار " شراء حصة في شركة أرابتك القابضة وخيرا فعلت أرابتك اليوم بنفي هذه الشائعة ، ولمحاربة هذا النوع من الشائعات لا بد من سن قوانين صارمة تتبنى آلية تجرم التسريب الذي يقوم به بعض أعضاء مجالس إدارات الشركات والموظفين العاملين في مواقع حساسة أخرى بالإضافة إلى آلية مراقبة فعالة لتحديد منبع الشائعات وفرض العقوبات الزاجرة على مختلقيها ومروجيها .
صحيح أن القضاء على الشائعات أمر مستحيل وتجارب الأسواق العالمية أو الناشئة تشير إلى هذه الحقيقة ، لكن المؤكد أيضا أن نسب التسريب في الأسواق الناضجة وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أقل بكثير من نسب التسريب في الأسواق الناشئة كأسواق منطقتنا والمناطق الأخرى المجاورة للشرق الأوسط وإفريقيا أما أسباب قلة التسريب في الأسواق الناضجة فمرتبطة أولا: بالتشريعات والقوانين والمؤيدات الجزائية .. وثانيا: بنضوج الوعي الإستثماري لدى شريحية كبيرة من المتعاملين مع أسواق المال خلافا لما هو موجود في الأسواق الناشئة .
إن أكثر المتأثرين سلبا من نشر الشائعات هم المستثمرون الجدد أو الأغرار وخاصة الشباب الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الشائعات وأساليب مواجهتها و التصرف حيالها، أما المستثمرون المخضرمون فقادرون ببساطة على التمييز بين الشائعة الجيدة والشائعة السيئة، وبين التسريب والشائعة ،وبين التسريب والخبر، وبالتالي فإن أي دعوة لتجريم مختلقي الشائعات هي دعوة حقيقة لحماية الثقة والبيئة الآمنة للسوق قبل أن تكون حماية لصغار المستثمرين وخاصة فئة الشباب.
لا شك أن التصدي الحقيقي للشائعات عبر التشريعات قد يأخذ وقتا طويلا قبل أن يصبح واقعا ملموسا في أسواقنا المالية، وللتقليل من الأثار السلبية للشائعات من الآن وحتى إصدار التشريعات اللازمة يتوجب على صغار المستثمرين عدم التفاعل مع الأخبار المجهولة المصدر والإنسياق خلفها وعدم الإنجراء وراء الشائعات لأن مثل هذا السلوك يدخل في نطاق المغامرة والمقامرة أكثر مما يدخل في نطاق الإستثمار والنماء ومهما كانت ظروف السوق وفي أي مرحلة كان من مراحل الصعود أو الهبوط فإن البحث عن أساسيات الشركة وأرباحها الحالية ومعدلات نموها المستقبلية وملاءتها المالية هو ما يجب أن يتحرى عنه المستثمر لما في ذلك من تجنب للمخاطر والمفاجآت المدمرة التي قد تحدث في بعض الأحيان، ويرى أصحاب الخبرة أن فرصة الربح الضائعة أقل وطأة بالتأكيد من أي خسارة محققة .